تمر الحياة الزوجية بمنغصات ومشكلات وخلافات، قد تتطور إلى الانفصال والطلاق والتفكك الأسرى، إذا أصر كل طرف على موقفه، واحتد الخلاف، دون التزام بما قرره الإسلام في هذا الباب.

ومن المؤسف، أن الدول العربية تشهد معدلات طلاق مرتفعة وخطيرة، تشكل تحدياً جسيماً أمام الأسرة العربية والمسلمة، وتهدد الأجيال الجديدة بتداعيات سلبية وكارثية، قد يصعب مداواتها لاحقاً.

وفق معدل نسبة الطلاق لكل ألف شخص، جاءت ليبيا في المقدمة بنسبة 2.5%، تلتها مصر 2.3%، والسعودية ثالثاً 2.1%، والجزائر في المرتبة الرابعة 1.6%، وخامساً الأردن 1.6%، ومن المركز السادس إلى العاشر، جاءت لبنان 1.6%، وسورية 1.3%، والكويت 1.3%، والإمارات 0.7%، وقطر عاشراً بنفس النسبة، بحسب موقع «داتا بانداز» المختص بمعدلات الطلاق في العالم.

لكن بيانات رسمية أخرى، أظهرت تصدر الكويت عربياً بنسبة طلاق ارتفعت إلى 48% من إجمالي عدد الزيجات، بحسب وزارة العدل الكويتية، وجاءت مصر ثانياً من حيث معدل الطلاق إلى إجمالي الزيجات بنسبة 40%، لكنها تتصدر العالم العربي من حيث عدد حالات الطلاق بـ 240 حالة طلاق يومياً، وعدد مطلقات يصل إلى 3 ملايين مطلقة، وفق بيانات رسمية صادرة عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري.

وفي الأردن الذي حلَّ ثالثاً، ارتفع معدل الطلاق إلى 37.2%، وقطر رابعاً 37%، والإمارات ولبنان في المركزين الخامس والسادس بنسبة 34%، والسودان سابعاً بنسبة 30%، والعراق في المركز الثامن بنسبة 22.7%، والسعودية بنسبة 21.5%، بحسب ما أورده موقع «الجزيرة نت».

في ضوء ذلك، تشتد الحاجة إلى خطوات عملية ووقائية للحد من تنامي معدلات الطلاق في العالم العربي، وخفض مستوياته، بشكل عاجل، مع تضافر جهود كافة المؤسسات التشريعية والتربوية والاجتماعية والدينية والثقافية والدينية والإعلامية، لوقف هذا السرطان الخطير الذي يضرب تماسك الأسرة في مقتل.

ومن خطوات الوقاية من الطلاق:

أولاً: حسن اختيار الزوج من البداية، وأن يكون معيار الاختيار الدين والخلق الحسن، وليس المال والمنصب فقط، كما جرت عليه العادة بين الناس، وهذا المعيار للطرفين، للمرأة، كما ورد في الحديث النبوي: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وللرجل، قوله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» (رواه البخاري، مسلم).

ثانياً: المعاشرة بالمعروف، والتراحم بين الزوجين، والمودة بينهما، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاستجابة لمنغصات الحياة، فقال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم).

يقول الشيخ ابن عثيمين: الفرك يعني البغضاء والعداوة؛ يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر، وأيهما أعظم وقعاً، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً، هذا هو العدل.

ثالثاً: النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكرر النصح، ويجمل فيه، وأن يبين لها الحق، ويشرح لها أسانيد ذلك، وأن يصبر عليها، فالزمن جزء من العلاج، فقد لا تأخذ بالنصيحة في المرة الأولى لعناد أو غيره، وقد تلين بعد ذلك.

رابعاً: الهجر للمرأة الناشز التي ترفض طاعة زوجها في الحق، وتخرج عن أمره، على أن يكون الهجر في المضجع، لا خارج البيت، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) (النساء: 34).

خامساً: اللجوء إلى الإصلاح، عبر طرف ثالث موثوق من أهل الخير والحكمة، فيتدخل لفض الخلاف، وذكر محاسن كل طرف لآخر، فيبعد الشيطان عنهما، ويذكرهما بالله، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء: 35).

سادساً: من حكمة الإسلام في الحد من الطلاق أن جعله ثلاثاً، وليس مرة واحدة، حتى يعطي فرصة للمراجعة والصلح، فللرجل أن يراجع زوجته إذا طلقها مرة أو مرتين، ما دامت في العدة (3 أشهر عربية)، وله أن يطلقها على أن تبقى في بيته، ربما يتصالحان ويتراجعان عن حالهما، لكن إن طلقها للمرة الثالثة، فهي لم تعد زوجته وتحرم عليه حتى تتزوج آخر برضاها، فإن طلقها الآخر برضاه، حلت له مرة أخرى، قال الله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {229} فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة)، وقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق: 1).

سابعاً: حديثاً ينصح باللجوء إلى خبراء العلاقات الاجتماعية والاستشارات الأسرية، والحصول على راحة زوجية أو إجازة لأسابيع مثلاً، حتى يهدأ كل طرف، ويراجع كل من الزوجين نفسه، أو الحصول على دورة تدريبية في كيفية احتواء الآخر، وتدارك الأخطاء التي تؤدي للطلاق، وما الحالات التي تستحق الطلاق، مع الاستعانة ببرامج التوعية الأسرية والمجتمعية والشرعية، قبل اتخاذ قرار هدم البيت وتفكيك الأسرة وتضييع الأبناء.

المصدر: المجتمع