ممدوح الولي
كشفت التغطية الإعلامية للعديد من وسائل الإعلام العربية لمجريات أحداث عملية طوفان الأقصى، عن تبني تلك الجهات للرواية الإسرائيلية للأحداث، والطعن في المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان أو اليمن أو غيرها، والسعي لإحداث الفُرقة والوقيعة بين سكان غزة وحركتي حماس والجهاد، ونفس المسعى بين اللبنانيين وحزب الله، ونشر روح الإحباط بين المناصرين للمقاومة في كل مكان من خلال حرب نفسية ممنهجة، شارك في نسج خيوطها خبراء أجانب وعرب وبتمويل عربي وغربي سخي.
وفي نفس الوقت الذي يعاني سكان غزة من قلة مياه الشرب والطعام، يتم الإغداق على ضيوف برامج تلك القنوات الفضائية الذين يتم اختيارهم بعناية من الداعين للتطبيع مع العدو الصهيوني، والكارهين للمقاومة وللإسلام سواء من العلمانيين أو بعض قيادات حركة فتح أو الإسرائيليين أو من مشايخ السلاطين، مع الحرص على استخدام المصطلحات المروجة للرؤية الإسرائيلية للأحداث، وتجاهل أعداد الضحايا الكبير يوميا وتجاهل ما تحققه المقاومة التي يحقدون عليها لصمودها 11 شهرا أمام الهجمة الإسرائيلية الغربية الشرسة، بينما عجزت جيوش ثلاث دول عربية عن الصمود لأكثر من ستة أيام أمام الجيش الإسرائيلي بحرب حزيران/ يونيو 1967، حين استطاعت إسرائيل احتلال مساحات كبيرة من أراضي تلك الدول تفوق المساحة الجغرافية التي انطلقت منها حينذاك.
وتعود بدايات ذلك التوجه الإعلامي لهؤلاء الصهاينة العرب، عندما أعلن الرئيس المصري أنور السادات في البرلمان المصري استعداده لزيارة القدس في نوفمبر 1977، وهو الأمر الذي كان مفاجئا وصادما لغالبية المصريين والعرب، مما جعل السادات يصحب معه بعض كبار الإعلاميين خلال زيارته لإسرائيل، وبدء حملة إعلامية للترويج لمسعاه للصلح مع إسرائيل، وهو الأمر الذي كان وما زال مرفوضا من قبل غالبية المصريين والعرب، وقبل إعلاميون يعملون في الصحف والقنوات التلفزيونية الحكومية تلك المهمة، وقد حظوا بمناصب عليا في تلك الصحف والقنوات.
احتياج معاهدات الصلح لمبررين ومروجين
وزاد احتياج السادات لهؤلاء مع الاتجاه المصري لعقد مؤتمر كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1978، وما تلاه من عقد قمة عربية في بغداد قامت بتجميد عضوية مصر في الجامعة العربية ودعتها لعدم التصديق على الاتفاقية التي أعقبها عقد معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، تلاها في نهاية مارس 1979 عقد قمة عربية أخرى في بغداد بدون مصر بعد خمسة أيام من تصديقها على معاهدة السلام، وقررت القمة نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس والتي ظلت فيها حتى عام 1989.
ومع غزو إسرائيل للبنان عام 1982 وتعاون بعض الفصائل المسيحية مثل الرائد سعد حداد، قائد جيش لبنان الجنوبي، وما تلاه من إقرار البرلمان اللبناني بأغلبية مسيحية مع غياب كامل للسنة والشيعة عن الجلسة في 17 مايو 1983، اتفاقية مع إسرائيل لإنهاء حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل، كان هناك إعلام لفصائل مسيحية يبرر التعاون مع إسرائيل.
ومع صدور إعلان واشنطن بين الأردن وإسرائيل في يوليو 1994، وما أعقبه من معاهدة للسلام بين الأردن وإسرائيل في أكتوبر 1994، كان لا بد للنظام الأردني من إعلام يبرر تلك الاتفاقات ويروج لها، وهو ما تكرر مع عناصر فلسطينية لتبرير اجتماعات مدريد 1991 وإعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي سبتمبر 1993 (اتفاق أوسلو) وما تلاه من اجتماعات واتفاقات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في السنوات التالية، الأمر الذي فتح الباب أمام أنظمة عربية وغير عربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وأصبح لإسرائيل مكاتب تمثيل في تونس والمغرب وقطر وسلطنة عُمان وموريتانيا.
وانتقالا من مرحلة الاجتماعات بين الحكومات العربية في مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل، دعت الدنمارك عددا من الشخصيات العامة من مصر وإسرائيل والأردن وفلسطين، للاجتماع في كوبنهاجن أواخر كانون الثاني/ يناير 1997، لتكوين قاعدة شعبية تساند ما سموه عملية السلام، والتي خرج عنها إعلان كوبنهاجن بشأن إنشاء التحالف الدولي من أجل السلام العربي الإسرائيلي، والذي سعي للترويج للتطبيع بين شعوب تلك الدول. وما زال بعض أفراد تحالف كوبنهاجن من المصريين الباقين على قيد الحياة حاليا، يمارسون دور الترويج للتطبيع، حيث لبعضهم مقالات يومية وأسبوعية في صحف حكومية مصرية، بل يرأس أحدهم مجلس إدارة صحيفة يومية خاصة، وتم تعيينه في مجلس الشيوخ المصري الحالي، إلى جانب استقطابهم أفرادا آخرين سواء في المراكز البحثية التي يعلمون فيها أو غيرها للترويج للتطبيع.
وبالطبع يتجاهل أعضاء تحالف كوبنهاجن المستمرين في الترويج للتطبيع عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة وفي الضفة الغربية حاليا، كما يتناسون أن ما قام عليه التحالف قبل 27 عاما لم يتحقق، ومن ذلك الاتفاق على الوضع النهائي للقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والأمن والمياه، والتي تم تحديد موعد أقصاه 5 أيار/ مايو 1999 لتحقيقها، بجانب النص على عدم بناء مستوطنات جديدة وعدم مصادرة الأراضى الفلسطينية العامة والخاصة وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.
مهمة التطبيع تمتد للتعليم والمساجد
وهكذا أصبح هناك مناصرون للتطبيع يتم عقد ندوات دورية لهم من قبل مؤسسات بحثية محلية وأجنبية، الى جانب زيارتهم من قبل باحثين إسرائيليين وأجانب ودعوتهم لحضور مؤتمرات في الخارج، بخلاف العاملين في الجهات الإعلامية الرسمية، حيث توسعت المهمة إلى مساندة تغيير المناهج التعليمية في الدول العربية، لتستبعد كل ما يمس اليهود حتى لو كان مذكورا بالقرآن الكريم، ليتم تغيير مناهج التاريخ في المراحل الدراسية والتي تشيد بعملية السلام مع إسرائيل وتمجد من قاموا بها، وتتحاشى ذكر تاريخ القضية الفلسطينية، وكذلك التدخل في خطب المساجد لمنع ذكر ما ينال من اليهود.
وهكذا فعندما صمد حزب الله لمدة 33 يوما أمام العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وعلا نجم الأمين العام للحزب حسن نصر الله لبنانيا ومصريا وعربيا، حفلت الصحف المصرية الحكومية والخاصة بمقالات تنتقد نصر الله، كما قامت جهات رسمية بنقل كميات من جريدة الأخبار القاهرية التي تنتقد نصر الله بضراوة، بالطائرة يوميا إلى بيروت لفترة، لتوزيعها هناك للنيل من مكانته في الشارع اللبناني.
وتكرر الأمر مع حماس في غزة بعد عدوان إسرائيل عليها عام 2008، باستمرار انتقاد قياداتها من قبل قيادات الصحف الحكومية المصرية، وإلقاء الاتهامات عن تحقيق ثروات طائلة على حساب سكان غزة ونحو ذلك، وعندما اقتحم سكان غزة معبر رفح في كانون الثاني/ يناير 2008 بسبب الحصار، لشراء الطعام ولوازم المعيشة، شنت الصحف الحكومية هجوما على هؤلاء لدرجة اتهام رئيس تحرير جريدة الجمهورية لهم بالشراء من المتاجر المصرية برفح بدولارات مزورة، وهو أمر لم يشاركه فيه أحد.
وبعد تولي الجيش السلطة في مصر نالت حماس الكثير من الاتهامات، والتي تكرر بعضها في مسلسلات درامية أنتجتها الشركة المتحدة التي أسستها جهات سيادية، وتنافس الإعلاميون المصريون في برامج التوك شو في إلصاق التهم بحماس. وتعرض حزب الله اللبناني لمواقف مشابهة في الدول الخليجية، ووصل الأمر الى تصنيفه كمنظمة إرهابية مثلما فعلت دول أوروبية معه.
ومن هنا، فإن مواقف تلك الفضائيات العربية حاليا من صمود غزة ومن مساندة حزب الله لحرب غزة ليست بجديدة، ولا يجب أن ننخدع فيما يذكره البعض بأن تلك المواقف بسبب كراهية الأنظمة الممولة لتلك الفضائيات مثل السعودية والإمارات لحماس وحزب الله، لأن تلك الفضائيات لم تتعاطف مع معاناة سكان الضفة الغربية الذين فقدوا أكثر من 760 شهيدا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، منهم 150 طفلا، وإصابة أكثر من 5400 شخص واعتقال أكثر من عشرة آلاف شخص، ولم تتحرك مع تكرار هجوم المستوطنين على سكان القرى الفلسطينية في الضفة وحرق منازلهم وسياراتهم، ولا مع تكرار اقتحام باحة المسجد الأقصى والسعي للصلاة اليهودية فيه، لأن هؤلاء ينفذون أجندة صهيونية غربية لا تعبأ بالمصالح العربية، ولا تبدى اهتماما بالأطماع الإسرائيلية التي لا تكتفي بضم الضفة الغربية وغزة بعد تهجير سكانها، وإنما ستمتد الى ما بين النيل الى الفرات وحتى خيبر.
x.com/mamdouh_alwaly