كلثوم باسعيد

إن الحرب الدائرة بين من نحسبهم من جند الله في غزة من جهة، والصهاينة، ومن خلفهم أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، من جهة أخرى، الذين نراهم حزب الشيطان لها أكثر من مستوى:

فهناك المستوى العسكري الحربي، ويدعمه المستوى السياسي، ويبرر له المستوى الإعلامي.

وقد رأينا كيف أن الآلة الإعلامية الصهيونية قد استغلت هجوم «كتائب الشهيد عز الدين القسام» لإظهار ما قد يصور وحشية «حماس»، ووداعة «إسرائيل» وسلميتها، مثل: الادعاء بقتل الأطفال وقطع رؤوسهم، وقتل الراقصين اللاهين في إحدى الحفلات، وقتل المدنيين الذين لم يحملوا سلاحاً.

وتبنت تلك الروايات كبريات الوسائل الإعلامية العالمية، وطاروا بها، ورددها مشاهير الإعلاميين، وكبار الساسة مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن.

وفي المقابل، يغضون الطرف عن المجازر البشعة التي يرتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين، وخصوصاً الأطفال والنساء، على الهواء مباشرة دون خوف من أحد، أو تأنيب ضمير، وإن تكلموا عنها فإنهم يبررون للكيان الصهيوني فعل ذلك من باب الدفاع عن النفس بلا حدود أو ضوابط.

تقول الإعلامية ديمة الخطيب: الإعلام الأمريكي يصل مستوى من الانحطاط الأخلاقي لا يُصدق؛ الصحفيون ومقدمو البرامج لا يجادلون ولا يتحدون الناطقين باسم دولة الاحتلال الصهيوني، وكأن كل ما يقولونه مقبول بشكل تلقائي مهما كان فظيعًا وبشعًا وعنصريًّا، ومهما كان كاذبًا وملفقًا، هؤلاء الإعلاميون شركاء في الإبادة الجماعية(1).

ومن يخرج عن الدور المرسوم لتلك الوسائل الإعلامية فإنه يواجه مواجهة صارمة تجعله عبرة لمن تسول له نفسه أن يسلك نفس الدرب، أو يكون من النغمات النشاز في نوتة موسيقى الموت والدمار والإبادة الجماعية والتطهير العرقي لديهم.

يقول الصحفي والسياسي التركي Dr.mehmet canbekli: نحن أمام مشهد سقوط مدوٍّ لمصطلح الصحافة الحرة؛ مجلس الشيوخ الفرنسي استدعى رئيس وكالة «AFP» الفرنسية للأنباء لاستجوابه؛ لأنه لم يقم بما يكفي من عرض «البروباجندا الإسرائيلية»، ولأنه استخدم أرقام القتلى التي توردها وزارة الصحة في غزة، ولأن الوكالة لم تطلق مصطلح «حماس الإرهابية» على الحركة.

رئيس الوكالة رد على الاستجوابات بالقول: نحن وكالة أنباء عالمية يتابعنا كل العالم، ومعظم متابعينا حول العالم لا يرون «حماس» منظمة إرهابية؛ فقط الولايات المتحدة وأوروبا هم من يرون «حماس» إرهابية، نحن نترك تسمية «حماس» لمشاهدينا حول العالم.

منذ شهر ونحن نتعرض لضغوط كبيرة جدًّا بشأن هذا الأمر.. هذا جنون(2).

لكن وسائل التواصل الاجتماعي كانت فاعلة ومؤثرة، وحاولت كسر حصار وسائل الإعلام التقليدية والخروج عن رواياتها المؤيدة للعدوان، وعملت على تفنيد هذه الروايات وتبيين كذبها وافترائها، وتقدمت خطوات جبارة في تشكيل رأي عام عالمي مساند للقضية الفلسطينية العادلة، وإظهار مدى الظلم والعسف الذي يتعرض له أبناء غزة.

وكان «فيسبوك» أكثر الوسائل الاجتماعية تعنتاً وحجباً ومنعاً للتأييد الطاغي لفلسطين؛ لكن المستخدمين قاوموا ذلك بشتى الطرق والوسائل.

ومن أُحبط من «فيسبوك» وتأييده للصهيونية وجد نفسه مضطراً لمغادرته إلى «إكس»، و«تلجرام»، و«تيك توك» التي أفسحت المجال للتعبير عن الآراء، ونقل الأخبار الواردة من فلسطين.

وقد أضر هذا الحياد وسائل الإعلام التقليدية، وراحت تهاجم «إكس» وتصب جام غضبها عليه؛ فقد جاء في تقرير لموقع «فرانس 24»: وما يفاقم المشكلة خصوصاً في منصة «إكس» المملوكة لإيلون ماسك، وجود عدد كبير من الإجراءات المثيرة للجدل، مثل إعادة تفعيل حسابات تروّج لمؤامرات زائفة.

ويخشى الخبراء أن تكون هذه الإجراءات زادت من خطر إحداث المعلومات المضللة أضراراً كمفاقمة الكراهية والعنف.

وفي حالة «إكس»، حطمت التغييرات التي طرأت على المنصة تماماً ما كان في السابق أحد أعظم نقاط قوتها: مراقبة الأخبار العاجلة ومساعدة المستخدمين على تمييز الحقيقة عن الكذب(3).

إنه نفس الأسلوب الفرعوني: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29)، فهم أصحاب الصواب المطلق، وغيرهم لا يفرقون بين الكذب والحقيقة.

لقد حطمت تلك الوسائل الاجتماعية الدعايات التي تبثها تلك المؤسسات الكبرى لصالح «إسرائيل»، وضيعت عليهم مليارات تم إنفاقها لتبييض وجه الكيان الصهيوني الغاصب.

وتتكشف الحقائق رويداً رويداً؛ فقد نشرت صحيفة «هاآرتس» مقتطفات من تحقيقات للشرطة «الإسرائيلية» فيما حصل بالحفل الموسيقي الذي كان يقام في غلاف غزة، بالتزامن مع شن المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها «كتائب القسام» عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر الماضي.

وبعد أكثر من 40 يوماً من ترديد مسؤولين «إسرائيليين» وغربيين أن عناصر من «كتائب القسام» ارتكبوا مجزرة في الحفل، توصلت الشرطة «الإسرائيلية» لمعلومات مغايرة تماماً لهذه الرواية.

ويخلص تحقيق أولي للشرطة إلى أن طائرة حربية «إسرائيلية» قصفت على ما يبدو «إسرائيليين» قرب ريعيم بغلاف غزة أثناء محاولة استهداف مسلحين(4).

وفي هذه الحرب الإعلامية وانحياز الشعوب لما يرونه بأعينهم من ظلم من الصهاينة وصمود من أهل غزة؛ تعاطف مشاهير المؤثرين في أمريكا جدًّا مع غزة، ودفعهم ذلك للبحث عن أسباب هذا الصمود؛ فعرفوا أن الإسلام وكتابه القرآن وراء ذلك مما دفع بعضهم لإعلان إسلامهم.

فالشابة الأمريكية أليس اشترت نسخة من القرآن الكريم؛ لأنها كانت تريد معرفة سر قوة إيمان أهل غزة الذين رغم أنهم فقدوا أطفالهم وأفراد أسرتهم وكل ما يملكون، فإنهم مستمرون في حمد الله وشكره، ويطلبون منه أن يكرم أحبابهم الذين التحقوا برحابه.

وتراهم لا يشككون في دينهم أو معتقداتهم، وعلقت على ذلك قائلة: «لو حدث لي ما حدث لهم لكنت طرحت عدة أسئلة حول وجود إله أصلاً»(5).

فالكيان خسر الحرب على المستوى الإنساني والدولي والإعلامي، وتمكن الإعلام الفردي الصادق المبثوث عبر وسائل التواصل من مواجهة آلة الإعلام الجهنمية للصهيونية.

المصدر: المجتمع