بقلم د/ منى صبحي 
متخصصة في قضايا المرأة والأسرة

كان هناك ..يسابق الجموع المسكونة بالشوق والحب لاستقبال الحبيب المصطفى ..الكل يسأل الكل:

هل رأيت رسول الله ؟

اشتد وجيب قلبه عندما أطل صلى الله عليه وسلم قادما من قُباء ليغمر يثرب دفئا وحياة ونورا، وليعلن مولد خير أمة أخرجت للناس ..

ما أجملك .. ما أبهاك .. ما أروع خلق الله فيك ياسيد الخلق !.. ابتسامتك الوضيئة وأنت تشكر الناس على كرمهم ورغبتهم في ضيافتك كفيلة بتطييب خاطرهم ومؤانستهم ؛ ولكن ذاك الشاب الخزرجي الذي بايعك يوم العقبة على التضحية بكل ما يملك لنصرة الله ورسوله ، يكاد يتحرق شوقا إلى ضيافتك ويتمنى على الله أن يمنّ عليه بتلك المكرمة .. ويالها من مكرمة !

لم يصدق عيناه وناقة رسول الله تجلس أمام بيته أكثر من مرة .. أسرع به الحب الى حمل متاع رسول الله ، وطربت أذناه والرسول الكريم يهمس لمن حوله (المرء مع رحله).. وإلى بيت أبي أيوب الأنصاري .. وأكرم به من بيت أثنى عليه رب العزة بالايمان في سورة النور !

أبو ايوب وزوجه في خدمة وضيافة خير خلق الله ، وكان بيتهما مفتوحا دائما لإكرام رسول الله ومن معه .. وأنعم الله عليه بأن جعله من كتّاب الوحي القلائل ، وروى عن رسول الله عشرات الاحاديث ، وآخى الرسول الكريم بينه وبين زينة شباب المهاجرين مصعب بن عمير ؛ والذي ارتقى شهيدا في أحد ليكمل أبو أيوب المسير ، فلم يتخلف عن غزوة ومشهد في سبيل الله طوال حياته ؛ لم يبطره ثراء كان يرفل فيه ، ولم تقعده شيخوخة عن قتال الخوارج ، ثم مرافقة جيش المسلمين لفتح القسطنطينية رجاء أن تدركه مغفرة من الله كما بشّر رسول الله (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم )..

وعلى أسوار المدينة العتيدة يلقى الشاب الثمانيني ربه (عام ٥٢ للهجرة) بعد وصية لا تصدر إلا عن نفس تواقة لتمكين دين الله ..(إذا مت فأدخلوني في أرض العدو فادفنوني تحت أقدامكم حيث تلقون العدو) ، ولتكون ملهمة للمجاهدين في سبيل الله ..دائما ..

وبعد قرون وليس سنوات يشاء الله أن تطأ سنابك خيول جيش الفتح تلك المدينة المنيعة بأسوارها لتطهرها من رجس الشرك وتصبح دارا للإسلام وتحتضن رفات من تنفس حب رسول الله صدقا وفعلا ..

سيدي يارسول الله ..

مجيئك إلى الدنيا يوم التاسع من ربيع الأول هو الرحمة المهداة من الله للبشرية الحائرة .. ووصولك الى المدينة يوم الثاني عشر هو اعلان عن ميلاد أمة شرفت بالانتساب اليك .. أما يوم لحاقك بالرفيق الأعلى فهذا سنة الله في خلقه وحافزا لنا أن نحسن التأسي بهديك علّنا نحظى بقربك باذن الله ..

اللهم فأكرمنا بشفاعته ، فإننا نزعم حبه وتخوننا عثرات المحبين ، وتخنقنا عبرات المذنبين ، ونتشوق الى أنّات التائبين !