غايتهم ... وغايتنا

1- أما غايتهم فهي المنصب العلمي، أو المنصب السياسي، أو الإيراد الكبير ، أو الفيلا الأنيقة، أو السيارة الوجيهة، أو الحياة الرافهة، أو الملبس الأنيق، أو الشهرة الواسعة، أو مظاهر البطولة التي تستقطب الإعجاب، أو المرأة حليلة أو خليلة ( زوجة أو عشيقة ) أو الأبناء ...أو بعبارة أخرى .... حب الشهوات ...أو بعبارة ثالثة .... حب الدنيا ...

ولقد أشار إليها القرآن الكريم في أكثر من موضع :{ زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة والأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ... }

{ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ....  } ، { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد ... }

2- والإسلام لا ينكر على الناس أن يكون لهم حظ من الدنيا.. بل لا ننكر على المؤمنين أن يمتلكوا الدنيا، بل نوجب عليهم ذلك أحياناً { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده        و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة } ، لكن فرق كبير بين أن يمتلكوا الدنيا وبين أن تمتلكهم الدنيا ، فالأول ندعو إليه ونحببه ، و الثاني ننهي عنه ونستبعده .

3- إن الدنيا أولاً ... قصيرة مهما طالت ... وإلا فمن خلِّد فيها حتى من أعتى الجبابرة ... في القديم وفي الحديث ... ؟ وإنها متقلبة ... وإن بدت ذلولا مسالمة ... وإلا لو دامت لغيرك ما انتقلت إليك ...

ونظرة إلى حركة النقود  ونظرة إلى الدورات الاقتصادية

ونظرة إلى الأحداث السياسية التي يمكن أن تسمى كذلك بالدورات السياسية ...

ونظرة إلى الأوضاع الاجتماعية للأفراد والأسر والأمم التي يمكن أن تسمى كذلك بالدورات الاجتماعية ...

كل ذلك يؤكد لنا معنى أشار إليه القرآن الكريم في عبارة قصيرة { وتلك الأيام نداولها بين الناس }

وأنها بعد ذلك ... حقيرة وإن بدت كبيرة أو عظيمة ... وإلا فما يعنى أقصى استمتاع بها ...؟

إن أقصى استمتاع بها يشاركك فيه .. أقل الحيوانات أو أدناها ... وهو ما أشار إليه القرآن { يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } وهو ما يفسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ) .

وكون الدنيا قصيرة ومتقلبة ... كان يكفي ... لكنا نؤكد على مآلها ... وهو ما تفضي إليه الصفة  الأولى من صفاتها أنها قصيرة

إن الموت الذي يحصد الناس من حولنا القريب منهم والبعيد ، العزيز منهم والعدو ، العظيم منهم والحقير ، المؤمن منهم والكافر ، البر منهم والفاجر ... إن هذا الموت وحده نذير ودليل نذير بقصر الدنيا وتقلبها وحقارتها ودليل على أنها سوف تنتهي كما انتهت حياة الفرد وكما انتهت حياة أسر وكما انتهت حياة أمم وكما انتهت حياة دول وإمبراطوريات

ولو كانت خالدة لخلد عليها شئ من ذلك { كل شئ هالك إلا وجهه } سبحانه وتعالى ولذلك عقب الله سبحانه وتعالى على مظاهر الحياة الدنيا  في الآية الأولى{ زين للناس حب الشهوات من .}بقوله تعالى { ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم }

وعقب سبحانه في الآية الثالثة { اعلموا أنما الحياة الدنيا } بقوله سبحانه { كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطماً }

فبين مراحل هذه الحياة كمراحل النبات

نبات يعجب .. ثم يهيج .. ثم يكون مصفراً.. ثم يكون حطاما ... تلك إذن غايتهم ..وتلك حقيقتها .. قصيرة متقلبة حقيرة .. وذلك مآلها .. تهيج ثم تصفر ثم تكون حطاما ..

فما غايتنا ؟

غايتنا :-

4- أما غايتنا ... فهي غاية الوجود كله ... هي أغلى من الوجود كله ... هي أحلى من الحياة كلها ...غايتهم فانية .... وغايتنا باقية ....غايتهم حقيرة ... وغايتنا عظيمة ....ثمرة غايتهم عاجلة زائلة ، وثمرة غايتنا آجلة خالدة  ...

غايتنا .... الله ... سبحانه جل جلاله .

ومن أبقى من الله ... ؟ ومن أعظم من الله ... ؟ ومن أجلّ من الله .... ؟

تعالى الله عما يشركون { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } ، وعجلت إليك رب لترضى } .

5- هذه الغاية - ذلكم الله نجله ... نحبه حباً أوسع من الخوف ، ونخافه خوفاً يمنع من الاتكال و الغرور ونرجوه كل ذلك في آن واحد .

أما حبنا له ... فمن خلال معرفتنا به سبحانه ... وكلما زدنا معرفة زدنا حباً ونحن نتعرف على الله من خلال أسمائه وصفاته ... لأنها أسماء  وصفات فاعلة مؤثرة ... فإذا كنا نحب إنساناً في الدنيا ... لأنه كريم  ... فالله أكرم الأكرمين  :" إن الله جميل يحب الجمال ، جواد يحب الجود ، ويعطى على الجود ما لا يعطى على سواه " وإذا كنا نحب إنساناً في الدنيا لأنه عظيم .... فالله أعظم العظماء .

منقول – بتصرف من كتاب المباديء الخمسة – للدكتور علي جريشة