ممدوح الولي

أعلن صندوق النقد الدولي في السابع والعشرين من أكتوبر، عن اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر لمنحها قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وإمكانية حصولها على قرض آخر طلبته من صندوق المرونة والاستدامة، الذي أسسه الصندوق في العام الحالي ويقدم قروضا طويلة الأجل بقيمة مليار دولار.

كما تم الإعلان عن حصول مصر على تمويل من مؤسسات دولية وإقليمية في العام المالي الحالي، 2022/2023 الذي ينتهي بنهاية يونيو من العام الميلادي القادم بقيمة 5 مليارات دولار، جاء ذلك بعد قيام مصر بخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بحوالي 16 في المائة، ورفع الفائدة بنسبة 2 في المائة قبل ساعات قليلة من إعلان الصندوق للاتفاق.

ويظل السؤال الجوهري حول مدى كفاية تلك الحزمة التمويلية البالغ مجموعها تسعة مليارات دولار، لسد الفجوة التمويلية التي تعاني منها مصر، وأدت إلى عودة السوق السوداء للدولار منذ أوائل العام الحالي وحتى الآن، وعجز البنك المركزي عن تلبية احتياجات المستوردين من الدولار، لتغطية الاعتمادات المستندية حتى يتم الإفراج عن مستلزمات الإنتاج المكدسة بالموانئ، مما أربك عمليات الإنتاج وزاد من تعثر الشركات.

والحقيقة أن تلك الحزمة لا تتناسب مع حجم الفجوة الدولارية البالغة 40 مليار دولار في العام الحالي، مما يعني توقع استمرار أزمة نقص الدولار في الأسواق المصرية لعدة أشهر مقبلة، خاصة وأن الحزمة المذكورة والتي لم تصل مصر بعد، تقل عن قيمة العجز الدولاري في الجهاز المصرفي والتي بلغت 20 مليار دولار، حتى آخر بيانات متاحة تخص شهر أغسطس الماضي، مما يعني استمرار العجز بالموارد الدولارية في البنوك لعدة شهور قادمة كما حدث مع قرض عام 2016.

تمويل أقل وفجوة تمويلية أكبر

والغريب أن حزمة التمويل الأخيرة تقل عما تلقته مصر عام 2016، رغم أن الفجوة الدولارية كانت أقل حينذاك، والتي كانت تبلغ 36 مليار دولار للسنوات التالية للاتفاق، ولذلك حصلت مصر وقتها على 12 مليار دولار من الصندوق، بالإضافة إلى 12.3 مليار دولار من مؤسسات دولية وإقليمية ودول مثل ألمانيا وفرنسا واليابان. واعتمدت على موارد أخرى أتت إليها من الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين الحكومي المصري، كما طرحت سندات في الأسواق الدولية إلى جانب زيادة الموارد التقليدية مثل الصادرات، والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

ومع قلة قيمة القرض الجديد من الصندوق والحزمة المصاحبة له عن حجم التمويلية الحالية التي تصل ما بين 40 و45 مليار دولار، يظل السؤال حول إمكانية تكرار الأساليب التي لجأت إليها مصر، مع اتفاق عام 2016 مع الصندوق لزيادة الحصيلة من العملات الأجنبية لسد الفجوة الدولارية، وتشير الإجابة إلى أن الظروف الدولية الحالية توضح صعوبة الاستفادة من الأساليب التي تم اللجوء إليها مسبقا.

ففي عام 2016 كان رقم مؤشر الغذاء العالمي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة 92 نقطة، والذي يعبر عن أسعار الحبوب وزيوت الطعام واللحوم ومنتجات الألبان والسكر، بينما وصل ذلك المؤشر في سبتمبر الماضي إلى 136 نقطة بنمو 48 في المائة.

وتستورد مصر حوالي 60 في المائة من الغذاء مع تدني نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب وزيت الطعام، حيث زاد السعر ما بين عام 2016 وحتى أيلول/ سبتمبر الماضي، من 159 دولارا لطن الذرة إلى 439 دولارا، ولطن القمح الصلد من 167 دولارا إلى 418 دولارا، ولطن زيت الصويا من 736 دولارا إلى 1548 دولارا. كما كان سعر برميل خام برنت عام 2016 نحو 44 دولارا بينما يدور حاليا فوق التسعين دولارا، وتستورد مصر ثلث استهلاكها من النفط.

وبشكل عام فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين عالميا من 4.7 في المائة بالعام الماضي إلى 8.8 في المائة بالعام الحالي، وهو ما يعني توقع زيادة قيمة الواردات المصرية، والتي ضغط الصندوق على الإدارة المصرية للتخلص تدريجيا حتى نهاية العام، من القيود التي فرضتها عليها في فبراير الماضي.

صعوبة إصدار سندات دولية حاليا

ومن الموارد التي لجأت إليها مصر إصدار سندات دولارية وباليورو في الأسواق الدولية عدة مرات، وهو ما تم في ظل فائدة دولية منخفضة بل كانت تدور حول الصفر في المائة في دول اليورو، ورغم ذلك تخطت فائدة بعض إصدارات السندات المصرية نسبة 8 في المائة، كتكلفة لمخاطر الاقتصاد المصري، بينما زادت أسعار الفائدة عالميا في الوقت الحالي سواء في الولايات المتحدة أو في دول اليورو أو إنجلترا وسويسرا وغيرها، مما دعا وزير المالية للتصريح بصعوبة إصدار سندات مصرية في الأسواق الدولية حاليا.

وكانت تلك السندات قد حققت لمصر عام 2017 نحو 6.2 مليارات دولار، وفي العام التالي 5.1 مليارات دولار، وفي عام 2019 نحو 6.9 مليارات دولار، وفي العام التالي 4.2 مليارات دولار، وفي العام الماضي 6.4 مليارات دولار، لتصل أرصدتها في نهاية العام الماضي 31.4 مليار دولار، مقابل 2.7 مليار دولار في نهاية عام 2016 سنة الاتفاق السابق مع الصندوق.

مورد آخر تمثل في شراء صناديق دولية أدوات الدين الحكومي المصرية، من أذون وسندات خزانة، للاستفادة من فارق سعر الفائدة المرتفع في مصر والمنخفض في غالبية دول العالم المتقدم، ونشأة ما يسمى بتجارة الفائدة المستفيدة من ارتفاع نسبة الفائدة الحقيقية المصرية الموجبة، أي التي تزيد عن معدل التضخم المصري.

لكن الصورة حاليا مختلفة من جانبين: أولهما وجود أسعار فائدة جيدة لهؤلاء بالبلدان المتقدمة، دفعتهم للخروج من الأسواق الناشئة، وهي الفائدة المرشح استمرار ارتفاعها بالفترة القادمة، حتى تتم مواجهة التضخم الذي ما زالت معدلاته مرتفعة بتلك البلدان المتقدمة.

الفائدة معوق لقدوم الأموال الساخنة

الأمر الثاني هو تحول الفائدة الحقيقية المصرية إلى سالبة منذ شباط/ فبراير وحتى الآن، وحتى بعد رفع المركزي المصري الفائدة بنسبة 2 في المائة قبل أيام، ليصل معدل الإيداع لليلة إلى 13.25 في المائة، بينما كانت نسبة التضخم حسب مؤشر البنك المركزي في أيلول/ سبتمبر الماضي 18 في المائة، أي أن نسبة الفائدة الحقيقية السلبية تبلغ 4.75 في المائة.

وربما يقول البعض إن هناك ثلاثة من البنوك الحكومية أعلنت عن رفع الفائدة على شهادات الإيداع فيها إلى 17.25 في المائة مؤخرا كقرار مصاحب للتعويم الأخير، لكن حتى تلك الشهادات لن تكون جاذبة للأجانب لإدخال دولارات بمشترياتهم، لأن مدتها ثلاث سنوات ويغلب على استثمارات الأجانب في الحافظة الأجل القصير، ولذلك يفضلون أذون الخزانة الحكومية التي تصل مدة إصداراتها ما بين ثلاثة وستة وتسعة و12 شهرا.

ومع إصدار نفس البنوك الحكومية الثلاثة، الأهلي ومصر والقاهرة، شهادة ادخار لمدة عام واحد، فإن العائد عليها يتراوح ما بين 16 في المائة و16.25 و16.5 في المائة حسب دورية صرف العائد، والذي يزيد مع الصرف نصف السنوي ويقل مع الربع سنوي ويتدنى مع الصرف الشهري للعائد.

وكل تلك الأوعية الثلاثة تقل عن معدل التضخم الحالي، والذي يتوقع ارتفاعه أكثر خلال شهور بعد التعويم الأخير وصعود سعر صرف الدولار، مما يزيد من حدة سلبية العائد الحقيقي للفائدة المصرية، سواء على تلك الودائع أو على عوائد أدوات الدين الحكومي أيضا.

وكانت مشتريات الأجانب لأدوات الدين الحكومي قد ضخت لمصر عام 2017 نحو 17.7 مليار دولار، وتراجعت في العام التالي بسبب مشكلة في البلدان الناشئة بنحو 6.7 مليارات دولار، لكنها عادت للزيادة في عام 2019 بنحو 9.9 مليارات دولار، وفي العام التالي ثلاثة مليارات دولار، وفي العام الماضي 3.6 مليارات دولار، لكن غالبيتها خرجت من مصر خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي.

عدم قدوم الاستثمار الأجنبي بالأجل القصير

بالطبع سيزداد التعويل على المصادر التقليدية، كتحويلات العاملين المصريين في الخارج والصادرات السلعية والسياحة والاستثمار الأجنبي وقناة السويس، لكن بعضها يواجه أيضا ظروفا دولية مختلفة، فالصادرات المصرية ستزيد تكلفة المكونات المستوردة فيها مع التعويم الجديد للجنيه المصري مما يقلل تنافسيتها، إلى جانب توقعات صندوق النقد الدولى بانخفاض النمو العالمي في العام القادم إلى 2.7 في المائة، وحدوث انكماش في بعض الدول مثل ألمانيا وإيطاليا وهي دول مستقبلة لجانب جيد من الصادرات المصرية.

كذلك تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الدولية الحالية على حركة الاستثمارات الدولية المباشرة، وهو ما أشار إليه عدد من الخبراء المصريين خلال وقائع المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد مؤخرا في مصر، بتوقع عدم حضور الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر في الأجل القصير، بسبب الظروف الدولية المتوترة واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بل وتوقعوا أيضا عدم قيام الاستثمارات الأجنبية الموجودة بمصر بتوسعات خلال الفترة المقبلة، ودعوا إلى الاعتماد حاليا على الاستثمارات المحلية والتي ما زالت تواجه صعوبات جمة.

ونتوقع أن تؤثر تلك العوامل السابقة على سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، في ظل استعداد المستوردين لتعويض فترة تعويق وارداتهم خلال الشهور الماضية، وبقاء الطلب على الدولار للاحتفاظ والمضاربة لعدة شهور حتى تتضح الصورة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، خاصة مع تصريح محافظ البنك المركز المصري بأن الفجوة التمويلية سيتم علاجها خلال السنوات الأربع القادمة، وإدراك السوق أن البنك المركزي ليس لديه احتياطي كاف من العملات الأجنبية يدافع به عن سعر الصرف، خاصة وأن الاحتياطي البالغ حاليا 33 مليار دولار، قد قيّد صندوق النقد يد البنك المركزي المصري في التصرف به للحفاظ عليه.

 

twitter.com/mamdouh_alwaly