دعاة الإسلام وتفاوت القابليات

 تتفاوت الاستعدادات والقابليات الحركية لدى العاملين في الحقل الإسلامي تفاوتاً ملحوظاً. ويبدو هذا التفاوت في حياة هؤلاء الخاصة والعامة كما يتجسد كذلك في صلتهم بالتنظيم وانضباطهم به وفي نشاطهم الاجتماعي ومدى نجاحهم فيه .........

مراتب هذا التفاوت وأشكاله :

ويمكننا تصنيف هذا التفاوت في القابليات إلى ثلاثة أشكال :

الشكل الأول :

تكون فيه الاستعدادات والقابليات لدى الأخ من أحسن ما يكون فهما وإيمانا وتفاعلا وانضباطاً.... والذين يتمتعون بمثل هذا المستوى من الاستعدادات -هم بحق -ركيزة الدعوة وقوة الدفع فيها .وتوافرهم في الوجود الحركي من أهم عوامل استقراره وإثماره ....

الشكل الثاني :

وتكون فيه الاستعدادات لدى الأخ بين مد وجزر، وقوة وضعف؛ فهو بين إقبال وإدبار، وتفاؤل وتشاؤم تبعاً لظروفه الخاصة وظروف الحركة العامة ... وهذا الصنف من الناس تجدر العناية بهم من حيث معرفة مشكلاتهم وأسبابها؛ فقد تكون مشكلاتهم خارجة عن إراداتهم مفروضة على حياتهم فينبغي مساعدتهم على حلها والخروج بهم من أجوائها وقد تكون ناجمة عن ضعف في تكوينهم الإسلامي فيجب إكمال جوانب النقص لديهم.

الشكل الثالث :

ويكون فيه الاستعدادات والقابليات لدى الأخ معدومة فطرياً بمعنى أن التكوين العصبي والإرادي والقدرات الفكرية والنفسية ليست في مستوى يمكنه من الإنتاج والعطاء، وقد يكون هذا الصنف عبئاً على الحركة في مرحلتها الحاضرة؛ لأنه يعيش على حسابها ويتغذى بدمها يأخذ منها ولا يعطى لها، وفي أمثال هؤلاء لا يجوز أن تستهلك الطاقات وتصرف الجهود وتهدر الإمكانيات .

عوامل هذا التفاوت وأسبابه :

وبديهي أن يكون لهذا التفاوت عوامل كثيرة لا حصر لها، منها الفطري، ومنها الوراثي، ومنها الاكتسابي، وإذا تجاوزنا العاملين الأولين إلى العامل الأخير الذي يدخل في  نطاق القدرة البشرية أمكننا تحديد الأسباب الرئيسية لنشأته ... وهذا التشخيص يمكننا بالتالي من معالجة ما يمكن معالجته من الضعف والوهن وبعث القابليات واستنهاضها وجعل أصحابها في مستوى المسئولية وعلى قدر حملها.

العامل الأول :

ويتعلق بمدى فهم الأخ لإسلامه؛ فقد يكون فهمه للإسلام سطحياً ممسوخاً، وقد لا يكون واضحاً تمام الوضوح، أوقد يكون فهماً جزئياً غير متكامل؛ ولهذا حض الإسلام على استكمال العدة الفكرية بحسن التفقه في الدين ومعرفة أعراضه وغاياته؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

العامل الثاني :

ويتعلق بمدى تفاعل الأخ مع مبادئ الإسلام في حياته الخاصة والعامة فقد يكون عالماً بالإسلام غير عامل به يدعو الناس إلى ما يخالفهم إليه ويسبقهم إلى ما ينهاهم عنه وهذا من شأنه أن يعدم في نفسه حوافز الخير ويجعله في دوامة من القلق والشقاء لا يخرج منها حتى تنقطع آخر صلة له بالإسلام، ولقد ندد القرآن الكريم بهذا الصنف من الناس حين قال { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون }.

العامل الثالث :

ويتعلق بمدى قرب الأخ من الله وصلته به؛ فالداعية لا يمكن أن تكتمل شخصيته ويستقيم خطوه، وتزكو نفسه، وينشرح صدره، ويكثر إنتاجه، ويعم إثماره، ما لم يتحرر من عبودية غير الله، ويستشعر قرب الله منه، ورقابته عليه، وهذا لا يمكن أن يتأتى بغير مجاهدة النفس وميولها؛ حتى تعطى المقاد وتسلس القياد .

العامل الرابع :

 ويتعلق بمدى تملك الأخ لزمام نفسه وقوامته على أهوائه وغرائزه؛ فإذا كانت حياة الأخ مليئة بالمغريات والمفاتن وجب أن يكون محصناً تحصيناً قوياً دائم الاستعداد لمقاومة نوازع الشر وإلقاءات الشيطان فيه مدركاً بوعي وعمق قول الله تعالى { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً } ذاكراً قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان ليسرى من ابن آدم مسرى الدماء ).

منقول بتصرف من كتاب "مشكلات الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن  رحمه الله.