نقف هنا مع مقتطفات من كتاب (التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنّا) للدكتور يوسف القرضاوي – رحمة الله عليه  – والتي يؤكد فيها على تفرد الإمام حسن البنا، وتميز منهج التربية عند الإخوان المسلمين.

ولا ينبئك عن الرجل ومدرسته التربوية التجديدية مثل خبير عاصر الإمام وصحب الجيل الأول من الإخوان، وذاق في رفقتهم حلاوة الإيمان، وظل وفيا لأيام المأثورات.

حتى إذا ما جمع العلم من كل أطرافه، وحاز الجاه والحظوة لدى الناس، التفت إلى البناء المتشامخ على ذلك الأساس فكتب وأعاد، عن التربية الربانية أهم جوانب التربية وأشدها خطرا، وأعمقها أثراً.

فكان مما كتبه سلسلة جديدة عنونها بالطريق إلى الله ضمنها خلاصات تجاربه ودروسه التي تلقاها في مدرسة البنا التي قال عنها في مقدمة كتابه المذكور أعلاه:

«ولست أكتب هذه الصحائف مؤرخا لحركة الإخوان ومبلغ تأثيرها في الحياة المصرية والعربية والإسلامية، فهذا جهد ينوء به فرد مهما تكن قدرته ووسائله.

وإنما هو واجب الجماعة الذي فرطت فيه حتى اليوم، وإن كانت الضربات المتلاحقة التي أصابت الجماعة في العهود، تجعل لها بعض العذر لا كله».

«إنما أكتب هنا عن جانب واحد من جوانب هذه الحركة الضخمة؛ وهو: جانب التربية، كما فهمه الإخوان من الإسلام، وكما طبقوه».

«ولست أحاول هنا الاستقصاء والإحاطة، وإنما أكتفي بإبراز المعالم وإعطاء الملامح، التي تكفي لإيضاح فكرة الجماعة عن التربية، وجهودها في ممارستها، ونقلها إلى واقع حي يتمثل في بشر أحياء».

«ولا يخفى على دارس أو مراقب أن حركة الإخوان تمثل – في الدرجة الأولى – مدرسة نموذجية ناجحة للتربية الإسلامية الحق. وأن أهم ما حققته هو تكوين جيل مسلم جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا، ويؤمن به إيمانا عميقا، ويعمل به في نفسه وأهله، ويجاهد لإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، وتوحيد أمته».

«وقد ساعد على هذا النجاح جملة عوامل:

1- إيمان لا يتزعزع بأن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع وبناء الرجال، وتحقيق الآمال.

وكان إمام الجماعة الشهيد حسن البنا يعلم أن طريق التربية بعيدة الشقة، طويلة المراحل، كثيرة المشاق، ولا يصبر على طولها ومتاعبها إلا القليل من الناس من أولي العزم.

ولكنه كان يعلم كذلك علم اليقين، أنها وحدها الطريق الموصلة لا طريق غيرها، فلا بديل لها، ولا غنى عنها.

وهي الطريق التي سلكها النبي ﷺ، فكون بها الجيل الرباني النموذجي الذي لم تر عين الدنيا مثله، والذي تولى بعد ذلك تربية الشعوب وقيادتها إلى الحق والخير.

2- منهاج التربية محدد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوع الأساليب، قائم على فلسفة بينة المفاهيم، مستمدة من الإسلام دون سواه.

3- جو جماعي إيجابي هيأته الجماعة، من شأنه أن يعين كل أخ مسلم على أن يحيى حياة إسلامية عن طريق الإيحاء والقدوة والمشاركة الوجدانية والعلمية.

والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوي بجماعته. فالجماعة قوة على الخير والطاعة، وعصمة من الشر والمعصية. «وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».

4- قائد مرب بفطرته، وبثقافته، وبخبرته. وهبه الله شحنة إيمانية نفسية غير معتادة، أثرت في قلوب من اتصل به، وأفاض من قلبه على قلوب من حوله، وكان أشبه بـ (المُولّد) أو(الدينامو) الذي ملأ منه الآخرون (بطاريات) قلوبهم.

والكلام إذا خرج من القلب دخل القلوب بغير استئذان، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان.

فصاحب القلب الحي هو الذي يؤثر في مستمعيه ومريديه. أما صاحب القلب الميت فلا يستطيع أن يحيي قلب غيره، ففاقد الشيء لا يعطيه، وليست النائحة كالثكلى.

5- عدد من المربين المخلصين، الأقوياء الأمناء، آمنوا بطريقة القائد، ونسجوا على منواله، وأثروا في تلاميذهم، ثم أصبح هؤلاء أساتذة لمن بعدهم. وهكذا.

ولست أعني بالمربين هنا خريجي المعاهد العليا للتربية، أو حملة الماجستير والدكتوراه فيها.

وإنما أعني أناسا ذوي (شِحنة) عالية من الإيمان، وقوة الروح، وصفاء النفس، وصلابة الإرادة، وسعة العاطفة، والقدرة على التأثير في الآخرين. وربما كان أحد هؤلاء مهندساً أو موظفاً بسيطاً أو تاجراً أو عاملاً، ممن لا علاقة به بدراسة أصول التربية أو مناهجها.

6- وسائل مرنة متنوعة، بعضها فردي، وبعضها جماعي، بعضها نظري، وبعضها عملي، بعضها عقلي، وبعضها عاطفي، بعضها إيجابي، وبعضها سلبي، من دروس إلى خطب، إلى محاضرات، إلى ندوات، إلى أحاديث فردية، ومن شعارات تحفظ، إلى هتافات تدوي، إلى أناشيد تؤثر بكلماتها ولحنها ونغمها.

ومن لقاءات دورية لمجموعات مختارة في البيوت على القراءة والثقافة والعبادة والأخوة.

سميت مجموعة منها (أسرة) إيحاء بمعنى الألفة والمودة بين أبناء العائلة الواحدة، إلى لقاءات أخرى في شعبة الجماعة غالبا، موعدها الليل، تتجدد فيها العقول بالثقافة، والقلوب بالعبادة، والأجسام بالرياضة.  

(*) المصدر: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، للدكتور يوسف القرضاوي ص 3-6.