د. عصام العريان رحمه الله*

لقد عرفت الشيخ وعرفناه كجيل منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يكن تأثيره فينا بسبب خُطَبه وكتبه فقط؛ بل اللقاء المباشر معه والمعايشة كان لهما أكبر الأثر في نفوس المجموعة التي تولت قيادة الشباب المسلم بالجامعات المصرية، والجاليات الإسلامية بالغرب، والتجمعات والجمعيات الإسلامية في مدن وقرى مصر؛ فللقدوة أثر كبير.

زارنا الشيخ القرضاوي في صيف عام 1974م في المعسكر الإسلامي الثاني للجماعة الإسلامية في جامعة القاهرة؛ ببذلته الإفرنجية، ويرتدي قميصًا بنصف كم وبنطالًا عاديًا، ولحية مهذبة، وروح مرحة، وشباب يتدفق (كان عمر الشيخ وقتها في الأربعينيات)، وألقى علينا محاضرة بمدرّج كلية الحقوق، حضرها آلاف الشباب من الجنسين، عنوانها «دور الشباب المسلم في خدمة الإسلام»، وتعلمنا منها أن واجبنا نحو الإسلام يتلخص في ثلاث كلمات.. حفظناها وحاولنا تطبيقها في حياتنا كلها، وهي: العلم بالإسلام، والعمل بالإسلام، والعمل للإسلام، أو الدعوة للإسلام.

كانت هذه المعسكرات تنعقد سنويًّا في إجازة الصيف، ويشارك فيها بضعة آلاف من الشباب المسلم، ذكورًا وإناثًا لمدة أسبوعين.. يقيم معظمهم إقامة دائمة في مبنى المدينة الجامعية، مقابل اشتراك مناسب، ويدرسون خلالها دراسات شرعية في القرآن وتجويده وتفسيره، والسنة وشروحها، والفقه وأصوله، والسيرة ودروسها، بخلاف محاضرات يومية صباحية ومسائية لكبار الدعاة والشيوخ وأساتذة الجامعات، وتخرّج في هذه المعسكرات آلاف تشبعوا بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في العمل لدين الله على بصيرة، ووفق منهج سلمي إصلاحي متدرج.

لا أتذكر عدد المرات التي حاضر فيها الشيخ القرضاوي في هذه المعسكرات، ولكنه بالقطع تنقل بين عدد منها؛ لعل أهمها القاهرة والإسكندرية وأسيوط.

ومن خصائص الشيخ (حفظه الله) أنه يعد لمحاضراته بصورة علمية ومنهجية، ويتميز بأسلوب إلقاء قوي ومؤثر، ويحرص على تلخيص فكرته في كلمات محددة وواضحة؛ بحيث تعلق بذاكرة الشباب. ثم أمر آخر أنه يُرَكِّز على الجانب العملي والتطبيقي؛ وليس مجرد طرح فكرة نظرية.

كان لمعايشة القرضاوي مع الشباب أكبر أثر؛ لأنه أبعد من التأثير البعيد بالكلام والحديث والخطابة، إلى الحوار والإجابة على الأسئلة والاستفسارات.

جال الشيخ في معظم مدن وجامعات مصر حينما كانت حرية الحركة مسموحًا بها، وعندما كانت صحته وظروفه تسمح له بذلك.

......

* نائب برلماني سابق والأمين العام المساعد السابق لنقابة أطباء مصر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة لقي ربه شهيدا في سجون الانقلاب العسكري في 13 أغسطس 2020م.

- المصدر: «الشيخ يوسف القرضاوي إمام الوسطية والتجديد.. كلمات في تكريمه وبحوث في جهوده الفقهية وإنجازاته الفكرية.. مهداه إليه بمناسبه بلوغه التسعين».