السؤال المصاحب دائماً مع كل ذكرى لمذبحة رابعة: كيف أدار الإخوان المسلمون صراع (الشرعية) مع العسكر؟ 

ربما تكون استعادة أحداث ما قبل الاعتصام تعطينا الإجابة، فبعد إفشال الإخوان والرئيس لكل الانقلابات الناعمة على الثورة طوال عامين ونصف العام، لم تجد الثورة المضادة أمامها سوى الانقلاب العسكرى. فقرر العسكر صناعة (ثورة مضادة) مشابهة لثورة يناير، بحشود فى الشارع، يتبعها إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وتم تحديد موعد 30/6/2013 ليكون نقطة البداية.

أدرك الإخوان المسلمون تلك الخطة، فحاولوا إنقاذ ما أنجزته الثورة، فاعتصموا فى ميدان رابعة العدوية يوم 28/6/2013 بهدف:

  1.  منع الشرعية عن الانقلاب، أو على الاقل التشكيك فيها.
  2.  الإبقاء على الشعب طرفا فى معادلة السلطة فى مصر.
  3.  حماية الصف الإخوانى وأنصار الشرعية من (الإبادة).
  4.  حماية مكتسبات الثورة، لصالح جولة ثانية منها.

لقد كان الإخوان المسلمون وهم يعتصمون فى ميدان رابعة، يستحضرون في مخيلتهم ما حدث فى مارس 1954، عندما انصرفوا من أمام قصر عابدين، على إثر وعود من عبد الناصر ومجموعته بإجراء انتخابات! لكن لم تمض ستة أشهر حتى دبر عبد الناصر حادثة المنشية في أكتوبر من العام نفسه، لينفرد بالسلطة، وليحكم على مصر بالبقاء تحت نيران الحكم العسكري 60 عامًا! لقد كان جميع الإخوان يدركون أنهم إذا انصرفوا من الميدان فإنهم سيكررون خطأ 1954!

أكد تلك الهواجس تسريب حوار بين رجل أمن وبين السيد البدوى رئيس حزب الوفد، توعَّد فيه رجل الأمن الإخوان المسلمين بذبحهم على أسرَّتهم فى بيوتهم.. (1)

الفوارق بين الميدانين

بتزامن اعتصام رابعة مع مظاهرات 30 يونيو فى التحرير، ظهرت للناس فوارق صارخة بين المشهدين..

  • تحرش هناك وإحتشام هنا

ففى ميدان التحرير، حيث تجمع مؤيدوا العسكر، من أصحاب المصالح من الفلول والبلطجية ومعهم بعض الطوائف الدينية بالإضافة لمواطنين عاديين، وبحماية من الشرطة والجيش، كان هناك تحرش واغتصاب يوميّ تقريبا! وثقته وسائل إعلام محلية وأجنبية. 

بينما فى ميدان رابعة، حيث تجمع مؤيدو الشرعية، لم تقع حادثة تحرش واحدة، وكان ذلك كله تحت سمع وبصر الإعلام. وكانت التقارير الآتية من ميدان التحرير مفجعة ومخيفة، فتقرير (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) رصد مايقرب من 101 حالة اغتصاب في ميدان التحرير! برغم وجود فرق للدفاع عن النساء والبنات اللاتى كُنّ عرضة للتحرش ، وذلك عن الفترة من 28 يونيو إلى 3 يوليو 2013، وهو مستوى غير مسبوق ليس فقط في العدد، ولكن أيضا في وحشية الاعتداءات! (2)

مما دفع بالعديد من العائلات والأفراد إلى الانسحاب من ميدان التحرير قبل اكتمال مشهد (الثورة المضادة)  !

  • القدرة على الحشد والتنظيم

وعلى الجهة الاخرى، فوجئ الانقلابيون بأن الجماهير المعتصمة بميدان رابعة، أكبر بكثير مما كان متوقعاً، مما يعنى أن المعارضين للانقلاب ليسوا الإخوان المسلمين فقط، وانما معهم قطاع عريض من الشعب المصرى. كذلك فإن عزيمة وإصرار المعارضين للانقلاب كانت أشد مما كان متوقعا..

فاهتزت تحت الأرض تحت الانقلاب، مما دعا وزير الدفاع آنذاك إلى الطلب من مؤيديه التظاهر يوم الجمعة ٢٧ يوليو، ليطلب منهم تفويضا لمحاربة العنف والإرهاب المحتمل!

هل حققت المجازر أهداف العسكر؟

مما دفع بالانقلابيين إلى فض الاعتصامات بالقوة بهدف:

  1.  وقف تزايد التأييد الشعبى لاعتصامات مؤيدى الشرعية .
  2.  تشويه الإخوان، وإسقاط شعبيتهم لدى الشعب.
  3.  كسر العمود الفقرى لجماعة الإخوان (التنظيم)
  4.  انتزاع الشرعية.. وصناعة الإنجاز.

المعادلات على الأرض

باعتصامات الرافضين للانقلاب فى رابعة وغيرها، فشل العسكر فى فرض معادلتهم القديمة (الإخوان.. فى مواجهة الدولة)، بينما نجح الإخوان المسلمون لأول مرة، في فرض معادلة جديدة (الشعب.. فى مواجهة الانقلاب) وظهر ذلك من مقاطعة الشعب (بعد ما حدث فى رابعة) انتخابات العسكر من 2014 وإلى الآن.. مما أدخل الانقلاب في أزمة (الشرعية) إلى اليوم.

المصادر

1)https://bit.ly/3pqzGkB

2)https://bit.ly/3CbsgJW