يؤكد الواقع المؤلم لمجتمعنا مدى أهمية التربية كعامل أساسيٍّ في تنشئة جيل يعمل لخدمة الأمة، ويدفعها نحو العزة والرفعة، ويسمو بها نحو القمة، وعندما نتأمل الواقع جيداً، وننظر بشفافية أكثر؛ يتضح لنا أن البذور إذا عُني بها خرج الزرع طيبا، فكذلك الطفولة إذا عُني بها خرجت لنا جيلاً صالحاً.

التربية لها وسائل متعددة ومن أنجح وسائل التربية هي التربية بالقصة وقد اتَّفق التربويون على أنَّ أسلوب التربية بالقصة من أفضل وسائل تربية النشء، مستندين في ذلك إلى القرآن الكريم الذي سبق العديد من الدراسات في إثارة الدافعيَّة إلى التعلُّم باستخدام الأسلوب القصصي، وهو ما يُفضله الصغار والكبار.

وقد ساق القرآن العديد من القصص، أبرزها قصة يوسف- عليه السلام- التي وصفها الحق- جل وعلا- بأنها أحسن القصص، فقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، وسمَّاها أَحْسَنَ الْقَصَصِ لِمَا فيها مِن العبرِ والحكمِ وَالنُّكَت وَالفوائد التي تصْلُح للدِّينِ وَالدنيا، من سِيَرِ المُلُوك والمماليك والعُلماء ومَكْرِ النساء والصبرِ على أَذى الأَعداء، وحُسْنِ التَّجَاوُزِ عنهم بعد الالتقاء وغيرِ ذلك من الفوائد.

أهمية التربية بالقصة

تُعدّ القصة المعبرة هي الأقرب إلى الإحساس والمشاعر، والأكثر إثارة للعواطف ودفء التصور، والأهم من ذلك الأسرع في إيصال المعنى دون تكلف، فلا يمل السامع ولا يسأم من كلام مخاطب.

والقصة تشرح لنا ما يُراد من المعاني بالأمثلة التي تُجسّد الواقع في صورة الماضي المعروف سلفًا ليرسخ في ذهن المتلقي فلا ينساه. عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، قال: “إنَّما مَثَلِي وَمَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقالَ: يا قَوْمِ، إنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وإنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فأطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِن قَوْمِهِ، فأدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا علَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ منهمْ، فأصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فأهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذلكَ مَثَلُ مَن أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ ما جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَن عَصَانِي وَكَذَّبَ بِما جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ”(البخاري).

فالنبي- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يوصل الغرض من رسالته وأهمية التمسك بها، فجاء بقصة مجسدة لمثل حالته فأبانت ما يريد تبليغه لأصحابه- رضوان الله عليهم أجمعين- الذين تعلموا أن يأخذوا من كل قصة العظة والعبرة، كما يخرجون منها بدرس تربوي سلوكي مستفاد ينفعهم وينفع من بعدهم في الدارين.

وللقصة وظيفة تربوية لا يُحقّقها لون آخر من ألوان الأداء اللغوي، ولها آثار نفسية بليغة محكمة، بعيدة المدى على مر الزمن، مع ما تثيره من حرارة في العاطفة وحيوية في النفس، تدفع الإنسان تغيير سلوكه وتجديد عزيمته بحسب مقتضى القصة وتوجيهها وخاتمتها والعِبرَةِ منها.

والقصة في إطار أساليب التربية الإسلامية، تختلف عن غيرها بكونها تنتهي حتمًا إلى عبرة هي بمثابة موعظة تستنتج استنتاجًا، وغالبًا ما توصف بالتشويق وسهولة الأسلوب وتسلسل الأحداث وترابطها، ما يساعد على تعلق السامع بها والرغبة في الوصول إلى النهاية، الأمر الذي يجعل هذا النوع من التربية مستدامًا.

كيف نربي الطفل من خلال القصة؟

توجد ثلاثُ صور في التوجيه التربوي:

-1 تعديل السلوك غير المرغوب فيه:

ومن أمثلة السلوكيات غير المرغوب فيها: الكذِب، نوبات الغضب، العصيان، السَّرقة، الخجَل الشديد، الغيرة، الأنانية، الشِّجار، عدم الاحترام...إلخ.
-2 تعزيز السلوك المرغوب فيه:

ومن أمثلة السلوكيات المرغوب فيها، وتكون لدى الطفل: الصدق، التعاون، استخدام كلمات الشُّكْر والاعتِذار، الشَّجاعة، الكرم، طاعة الوالِديْن، المحافظة على الصَّلاة .... إلخ.
-3 إكساب الطفل السلوك المرغوب فيه:

وهي السُّلوكيَّات الجيِّدة التي لم يتعلَّمْها بعد: كاحتِرام حقوق وخصوصيَّات الآخَرين، النَّظافة الشَّخصيَّة، آداب الطعام، تَجنُّب السخرية من الآخرين، حفظ القُرآن الكريم ... إلخ.
ويعتمد تعليم السُّلوك من خلال القصَّة على قدر إلحاحه وأهميته لدى المربي، فمن المُمكن جعْل قراءة القصَّة قصديَّة بغرض حل مشكلةٍ ما، فإذا كان الطفل يعاني من مشكلةٍ - كالكذب مثلاً - فيمكن للأم هنا أن تهتمَّ بالقصص التي تحكي عن عاقبة الكذِب، وحب الآخرين للشَّخص الصادق، وجعل الطفل يستنتج بنفسِه أهمية ذلك، مع مُحاولة تشجيعه بالمكافأة في حال طرأ تحسُّن على السلوك بعد القصة.
أو استخدامها كنقطة انطلاق حول قيمة معيَّنة، فمثلاً أثناء أو بعد قراءة قصة تتحدَّث عن الأمانة، يكون من السَّهل على المربي هنا التحدُّث مع الطفل عن الأمانة وأهميتها وفضلها.
كذلك مساعدة الطفل على القراءة الناقِدة، بحيث نساعد الطفل على أن يكتشف بنفسه الهدف التربوي من القصَّة، من خلال طرح الأسئلة عليه.