بقلم: د. مصطفى شلبي

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم" (رواه الطبراني في الدعاء).

اليوم أيها الأحباب نوشك أن نتعرض لنفحة من نفحات ربنا ما، أحوجنا- أفرادًا وأُسَرًا وجماعات بل الأمة كلها- أن نتعرض لهذه النفحات الربانية.. فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء" (أخرجه البخاري).

وما أحوجنا إلى التأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث صحابته الأطهار الذين ربّوا على يديه صلى الله عليه وسلم أن أعظم شيء والذي ينالون به مبتغاهم وهو رضى الله عز وجل وينالون به عزتهم وكرامتهم وينشروا به دعوة ربهم ويفوزون به بجنة عرضها السماوات والأرض هو (الجهاد في سبيل الله- فإذا بالنبي يخبرهم فيقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر"؛ فيكون السؤال البديهي الذي يدل على ترتيب الأولويات لدى الصحابة رضوان الله عليهم: "ولا الجهاد في سبيل الله؟" وهنا ندرك نحن عظم مرتبة ومكانة الجهاد؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاًًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" أخرجه أبو داود.

وقد عشنا نحن أبناء هذا الجيل ماذا حدث لنا لمَّا تخلَّينا عن الجهاد في سبيل الله ما أصابنا من ذل وهوان وسلب لحرياتنا ونهب لثرواتنا وتخريب لاقتصادنا وهدم لقيمنا الحضارية وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانت حياتهم كلها لله جهادًا وعملاً، ومع ذلك فلم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى وحد الجزيرة العربية كلها ولم يقتل من أصحابه سوى 5 آلاف شهيد ومضت قافلة الجهاد في سبيل الله حتى خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فاكتسحوا العالم من بحر العرب إلى بلاد الصين، ومن البحر المتوسط إلى بلاد أفغانستان الآن، أخذوها كلها ولم يقتل منهم سوى 35 ألف شهيد، فلما قاموا بالجهاد، وبالرغم من ضعفهم ملكوا هذه الأراضي كلها ولم يتعدَّ الذين استشهد منهم على أكثر الروايات 50 ألفًا، ووحدوا الأرض كلها! ولقد استشهد على يد الطغاة في ثوراتنا العربية حتى الآن ما يربو على هذا العدد!!.

ثم يرد النبي صلى الله عليه وسلم على تساؤل الصحابة الميامين بقوله: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء".

يعني كل ما يملك من عقارات ومركب ومن أموال سائلة وأخذ كل هذا وخرج مجاهدًا في سبيل الله فأنفق المال كله في سبيل الله وجاد بنفسه فمات شهيدًا، هذا فقط الذي يفضل عمله هذا  من عمل الصالحات في هذه الأيام العشر المباركة.

وهذه رسالة إلى كل مصري وعربي من الشعوب العربية المحررة، إلى كل من يريد أن يأخذ ولا يعطي، وإلى كل من يريد أن يبحث عن حقوقه ولا يهتم بواجباته نقول: إن كنت تريد لثورتنا المباركة أن تحقق أهدافها فالطريق لذلك العطاء والتضحية والبذل والبحث عن الواجبات قبل البحث عن الحقوق فلو أدى كل منا واجباته لأخذ كل منا حقه.

ووقفة أخرى مع الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح"، ولم يقل القول الصالح؛ وذلك مصداق قول الله عز وجل: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227) (الشعراء) وقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) (مريم)؛ فما ذكر الله سبحانه وتعالى الإيمان إلا وقرنه بالعمل، وهذا هو منهج المؤمنين في تلقي ما وردهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أن يُتبعوا القول بالعمل.

والذي يتبادر إلى ذهن المسلم من ألوان العمل الصالح هو ما اعتاد عليه وسهل عليه مثل الذكر والصلاة والصيام وتلاوة القرآن، وهذا كله خير ولكنه في الحقيقة عمل صالح لا يتعدى نفعه صاحبه، والمداوم عليه الذي يجد لذة الطاعة وحلاوة الذكر وراحة البال وطمأنينة النفس.

نعم لقد أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" (أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد حسن).

ولكن العمل الصالح المقصود في قول النبي صلى الله عليه وسلم  هو كل عمل صالح داخل المسجد وخارجه، في بيتك، في عملك، في متجرك ومكتبك، في السوق، في الطريق العام، في كل مكان توجد فيه لا بد أن يكون لك بصمة من عملك الصالح؛ فالرجل الصالح إذا نزل منزلاً ترك فيه أثرًا صالحًا.

في الحديث الصحيح الذي اتفق على روايته الشيخان البخاري ومسلم رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى (أي مفصل) مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ"

وفي جزء من حديث أبي ذر المتفق على صحته: قلت: "فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا أو تصنع لأخرق (الذي لا يتقن ما يحاول فعله)، قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفتُ عن بعض العمل قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".

- فهيا لنعدل بين اثنين، هل تعرف زوجين متشاحنين؟ هيا صمم على الإصلاح بينهما في العشر القادمة، ولتستعن بالله أولاً ثم بأهل الخير ومن استعان بالله أعانه؛ لتصلح بين أخوين متخاصمين وبين جارين، بين زميلين في العمل حتى تتوحد القلوب وتأتلف فهذه سر قوتنا: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)) (الأنفال) ولنذْكُر ونُذَكِّر الناس بقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)) (محمد).

- هيا نميط الأذى عن الطريق بأيدينا؛ ففي ظل الانفلات الأمني وتخلى الشرطة والمرور والمرافق عن هذه المهمة الجليلة وأصبحت طرقنا يملؤها الأذى، فننادى رجال الشرطة الشرفاء: لتعودوا إلى عملكم ولمهمتكم الجليلة؛ استجابة لنداء نبيكم، ولنرى لعودتكم أثرًا في هذه العشر المباركة، هيا يا أخي المسلم أمط الأذى عن الطريق بداية بكف يدك عن وضع الأذى في طريق الناس بتحويل الطرق لمنافذ للبيع والشراء، أو أن تركن سيارتك في الممنوع أو صف ثاني فتسبب الأذى للناس بتضييقك الطريق عليهم.

- هيا نعين صانعًا بتوفير آلات الصنعة لمن لا يملك، هيا نشارك في تدريب الشباب وفتح مراكز التدريب لتأهيل الشباب لممارسة العمل الشريف فنساهم ولو بجهد قليل في القضاء على البطالة تلك القنبلة الموقوتة التي لو انفجرت ففي وجه الجميع.

- ولنا وقفة نوجهها إلى كل من يمارس أي صورة من صور البلطجة يؤذي بها الناس، ليستمع هؤلاء إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لنا ولهم قلت: "يا رسول الله، أرأيت إن ضعفتُ عن بعض العمل قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك".

- الموظف الذي ينتظم في عمله ويحرص على قضاء مصالح الناس عمل صالح.

- الطبيب الذي يحرص على الوجود في مستشفاه ويقف ليلاً ساهرًا على إنقاذ حياة مريض بغرفة العمليات أو العناية المركزة محتسبا عند الله لعل أجره عند ربه يفوق من يقوم الليل راكعًا ساجدًا باكيًا.

- المهندس والعامل في شركة الكهرباء الساهر ليلاً والحريص على عدم انقطاع الكهرباء فيتسبب انقطاعها لموت مريض أو طفل في العناية المركزة أو إفساد طعام في ثلاجات أو غيره فلعل ثواب عمله الصالح يصل إلى درجة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: من الآية 32).

- الإعلامي والصحفي الذي يساهم في نشر كلمة الحق ونشر الوعي الصحيح بين أفراد الشعب ولا ينطق إلا بالحق عمل صالح.

- المدرس الذي يتقن عمله فيحرص على تحبيب مادته لطلابه وييسرها عليهم ويتقن في مدرسته كما يتقن في الدروس الخصوصية عمل صالح.

- الطالب الذي يجد ويجتهد في دراسته ويحدد لنفسه هدفًا يسعى إلى تحقيقه فيتفوق في دراسته عمل صالح.

- عكوف باحث في مختبره يجري أبحاثًا ليحل مشكلة أو يقدم جديدًا ينفع الوطن عمل صالح.

- قولة الحق وشهادة الحق واختيار الأصلح لأي منصب يكون اختيارك لله لا لمصلحة شخصية ولا قرابة ولا صداقة ولا نسب ويكون اختيارًا خالصًا لله عمل صالح.

- المهندس الذي يؤدي عمله مراقبًا لله فيرصف طريقًا فلا يتنازل عن تحقيق المواصفات العلمية في بناء منشأة أو رصف طريق أو تشييد الكباري عمل صالح.

- المحامي الذي يبذل الجهد للدفاع عن المظلومين ولا يهدأ له بال حتى يستعيد له حقه ويعاهد ربه ألا يدافع عن ظالم أو سارق أو قاتل أو مغتصب لحق غيره عمل صالح.

- إن هذه العشر تنتهي بالعيد ونحن نحرص على شراء الجديد لأبنائنا في هذا اليوم، وكما نحرص على تجهيز ما لذَّ وطاب من الطعام في هذا اليوم، فَمَنْ للفقراء والمساكين واليتامى؟!!.

- فهل بحثت حولك عن فقير أو يتيم أو مسكين في هذه العشر المباركة فتنوي لإطعامهم أو كسوتهم في يوم العيد فتدخل السرور على قلوبهم؟، وهذا من أعظم درجات العمل الصالح؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورًا لم يرض الله له ثوابًا دون الجنة). (رواه الطبراني في الصغير والأوسط) وأخرج الطبراني بإسناده عن عمر رضي الله عنه "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت له حاجته".

- فهيا أخي الحبيب، إلى العمل الصالح في هذه الأيام العشر المباركة، ولتحتسب النية خالصة لله في كل صغيرة وكبيرة، وليكن شعارك فيها: (حياتي كلها لله).