ونكمل مع كتاب زاد على الطريق لفضيلة الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه حيث يقول:

وفى الدعوة الى الله ... زاد

الدعوة الى الله واجب على كل مسلم  ومسلمة لتحقيق شهادتنا على الناس كما قال الله تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً  } هى مهمة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ فهى شرف عظيم ومنزلة سامية، وثوابها عند الله عظيم، وهى فى نفس الوقت مصدر  وافر لزاد التقوى والإيمان .

 و الشعور بهذا الشرف وهذه المنزلة العالية المتمثلة فى قول الله تعالى: { ومن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين} يدفع الداعى الى أن يكون أهلاً لهذا الشرف وتلك المنزلة؛ فلا يبدو من أقواله أو أفعاله مالا يليق  بجلال هذه المهمة، وفى مصاحبة هذا المعنى له زاد دائم ورقيب يقظ .

القضية الأساسية في الدعوة إلى الله هي قضية الإيمان أى توحيد الله وعبادته، وفى قيام الداعي إلى الله بتوصيل هذا المعنى إلى الناس وإحياء قلوبهم بمعرفة الله، وحثهم على طاعته ما يجعل إيمانه هو متجدداً نامياً، وقلبه متصلاً دائماً بالله، وفى هذا زاد كبير .

الداعي إلى الله يقضي جزءاً كبيراً من وقته يرتع في رياض الجنة فهذه اللقاءات التى يجتمع فيها بمن يدعوهم إلى الله هي مجالس ذكر الله، تحفهم فيها الملائكة وتتغشاهم الرحمة، وتتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهذا في حد ذاته خير كبير وزاد عظيم .

الداعي إلى الله يدعو الناس ويذكرهم بكل معانى الخير و فضائل الأعمال وبكل ما من شأنه أن يسمو بهم ويصلح حالهم ويجنبهم الزلل و الشرور ، وفى هذا تذكير مباشر له فيستفيد هو كما يفيد غيره بخلاف من لا يقوم بواجب الدعوة الى الله فقد يغفل عن كثير من هذه المعانى  ويكون فى حاجة الى من يذكره .

من يتعرض الى الدعوة الى الله يحرص على أن يكون قدوة صالحة لمن يدعوهم فى كل ما يدعوهم إليه من خير ويخالفهم فيه ، ولا ينهاهم عن منكر ويأتيه  مستشعراً الخوف من غضب الله وعقابه واضعاً نصب عينيه الآيات الكريمة :{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنت تتلون الكتاب أفلا تعقلون }  ، { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون }  }

الداعى الى الله يتخير المعانى الهامة والأساسية المتصلة بدعوة الله ودين الله ويستشهد فى حديثه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة ، ومعلوم ما لكلام الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم  من تأثير طيب يجدد الإيمان ويزيده، خاصة إذا كان الداعي إلى الله متفاعلاً بقلبه بما يجرى على لسانه، وهذا أمر لازم للداعي كي يؤثر فيمن يدعوهم فما خرج من القلب يصل الى القلب ، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان  ، فيتزود هو كما يعطى غيره زادا .

الداعى الى الله يطوع وقته وجهده وماله وبدنه بأسفاره المتكررة في سبيل الدعوة إلى الله، وفي هذا ترويض للنفس، وتخليص لها من كل معانى الكسل والبخل و الوهن و الجبن، يرفع صوته بكلمة  الحق، ولو كان مراً غير هياب... وفي هذا الترويض والتطويع خير كثير في بناء شخصية الداعي إلى الله وزاد مطلوب على طريق الدعوة  .

الداعي إلى الله يتولد عنده الحرص على الاستزادة من العلم، والتحصيل، والبحث، والدراسة، والمدارسة؛ لكي يكون عنده رصيد طيب يعينه على العطاء وتقديم الخير للناس، ولكي يتمكن من الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة وفي السعى لإنماء هذا الرصيد زاد مطلوب على الطريق .

ممارسة  الدعوة إلى الله تكسب صاحبها صفة التبين والدقة في صحة ما يحدث به الناس، بحيث لايكون في حديثه خطأ أو انحراف، أو أي شىء يخالف كتاب الله وسنة رسوله؛ لما يترتب على ذلك من إثم انتشار هذا الخطأ والعمل به، وصعوبة حسره بعد ذلك وإصلاح ما يترتب عليه، وفي تعود الدقة في القول وتحري الصواب خير كثير فى بناء شخصية رجل الدعوة .

وكما يستشعر الداعى إلى الله مسئوليته أمام الله عن حسن توجيه من يدعوهم، كذلك يجب عليه أن يشعر بمسئوليته عن أوقاتهم فيلتزم بالحضور فى الموعد ولا يضيع عليهم وقتاً في الانتظار، أو يحدثهم حديثاً قليل الفائدة، وفي تعود ذلك والالتزام به كسب للداعية في معنى الحرص على الوقت وحسن استغلاله فالوقت هو الحياة و الواجبات أكثر من الأوقات .

الداعي إلى الله يعمل لله وابتغاء مرضات الله؛ فلا يطوع هذه الوظيفة السامية لمغنم دنيوى، أو لحساب أحد مهما كان سلطانه؛ فإنه لو فعل ذلك لحبط عمله واستجلب غضب الله باستخدامه الدعوة إلى الله لتضليل الناس، ولصار من أخسر الناس الذين يبيعون آخرتهم لدنيا غيرهم .

الداعي إلى الله الواجب عليه أن يتبع تعاليم الله في دعوته إليه والتى اتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دعوته للناس من لين الجانب والرحمة و الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتى هي أحسن، والصبر على أذى من يدعوهم، وهكذا...  وصدق الله العظيم: { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم } { ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة  وجادلهم بالتى هى أحسن }  { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا  على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا }  ، وهذا الشعور بالإشفاق على الناس بسبب إعراضهم عن دعوة الله: { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً }  وهكذا تتولد هذه الصفات في نفس الداعى إلى الله خلال ممارسته للدعوة، وفى هذا كسب كبير وزاد عظيم .

الداعي إلى الله لايجوز أن يعوقه عن أداء مهمته تعب ولا نصب، ولا ألم ولا سفر، ولا سهر ولا بذل، ولا تضحية؛ لأن ذلك كله من الزاد المؤكد نفعه، وفائدته في سفره الطويل البعيد إلى الآخرة ، بل إنه سيجد في تعبه راحة، وفي ألمه لذة وفى بذله ربحاً وفى تضحيته عوضاً مضموناً .

الداعي إلى الله يروض نفسه ألا يداخلها الغرور إذا وجد الإقبال المتزايد من المستمعين إليه وإلى أحاديثه، كما لا يداخلها يأس أو فتور إذا وجد عكس ذلك، ومهما كان حال من يدعوهم سيئاً؛ فقد يخرج من القلة خير أكثر من الكثرة .... وليعلم أن عليه أن يدعو وليس عليه أن يستجيب الناس فالهدى هدى الله :{ وما على الرسول إلا البلاغ } :{ إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء }  وفي إخلاء النفس من الغرور  ومن اليأس زاد كبير .

على الداعي إلى الله أن يواصل دعوته إلى الله مهما  تعرض للأذى بسبب ذلك، هكذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقابل أذى المشركين بالدعاء لهم :( اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون )  ويستمر فى دعوته رغم ذلك، وكان الإمام الشهيد حسن البنا يقول للإخوان فى هذا المعنى : كونوا مع الناس كالشجر يرمونه بالحجر ويرميهم بالثمر  ، وفى ترويض النفس  على مقابلة الإساءة بالحسنة زاد كبير وصدق الله العظيم :{ ولا تستوى الحسنة و لا السيئة ادفع بالتى هى أحسن  فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم  وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .

الداعي إلى الله بقدر نجاحه في مهمته بقدر ما ينال حب من يدعوهم حباً خالصاً لله، وهذا في ذاته خير ونعمة من الله محروم منها كثير من الناس، ويكفي الداعي أن ينال ممن أحبوه دعوة صالحة بظهر الغيب، أونظرة حب في الله يغفر الله له ولهم بها .

الداعي إلى الله يفوز بثواب كبير من الله إذا وفقه الله وجعل حديثه سبباً في هداية الكثير وتحولهم من الغَواية إلى الهداية، وفي الحديث الصحيح عن رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم  ) وفي هذا الأجر الكبير زاد، وأي زاد .

وعلى الداعي إلى الله الصادق أن يعلم أن ما يوفق إليه في حديثه مع الغير من معان طيبة مؤثرة هي مما يفتح الله عليه وليس براعة، أو مقدرة شخصية؛ فلا يتعالى، بل يتواضع لله، ويتقيه، ويشكره، ويحسن اللجوء إليه؛ فيزيده الله فتوحاً: { واتقوا الله ويعلمكم الله } { لئن شكرتم لأزيدنكم } .

الداعي إلى الله بتطوافه وأسفاره إلى البلاد المختلفة سيزداد دراسة ومعرفة للشعوب الإسلامية وظروفها المحلية وقضايا العالم الإسلامى، وفي هذا زاد لرجل الدعوة على طريق الدعوة كما أنه سيزداد دربة وخبرة في مخاطبة المستويات المختلفة من مثقفين  وأميين وعمال وفلاحين، وكذا سيتعرض إلى أقوام يعيشون الجزئيات دون الكليات، وإلى آخرين ورثوا انحرافات وبدعا وخرافات ومن يعيشون النظرة السطحية دون العمق ومن يعيشون النظرة اللحظية دون النظرة البعيدة و التقدير لعواقب الأمور  وهكذا في التعامل مع هؤلاء  وتصحيح أفهامهم ونظراتهم وما يحتاجه من حكمة وخبرة وصبر ... زاد وكسب للداعي إلى الله لا يصل إليه من لا يمارس الدعوة إلى الله مثله .

الداعي إلى الله المخلص يتقي الله، ويزن الأحداث الجارية وموقف الدين منها بالميزان الإسلامى الصحيح، دون نفاق أو مجاملة أو خوف من أحد مهما كان سلطانه؛ فلا يلبس الحق مع الباطل في أذهان الناس، ويميز الله به الخبيث من الطيب، ويتعلم الناس منه الموازين الربانية، وفي هذا خير كثير لدعوة الله .