* حسن البنا الإمام الشهيد :

وفي مطلع القرن العشرين كانت الأمة الإسلامية على موعد مع بطل من أبطال الإسلام في العصر الحديث ذلكم هو حسن البنا الإمام الشهيد ... ولد حسن البنا في مجتمع يحكمه الإقطاع، وتتفشى فيه البدع والخرافات، مجتمع فيه كل خصائص الجاهلية الأولى وعاداتها وتقاليدها، مجتمع أنهكه الاستعمار البريطاني وحطم قواه المعنوية والمادية ، وأعلنها حسن البنا صيحة مدوية أيقظت النائمين ونبهت الغافلين وحركت مشاعر المؤمنين ... وترددت أصداء هذه الصيحة في كل مكان واستجاب لها المئات من كل جنس، وتمخض بها الزمان عن حركة إسلامية، أصبحت بعد حين ملء عين العالم وسمعه وبصره ..

وكان حسن البنا مع هذا دائم التحسب لما يخبئه الزمن من بلاء ومحن؛ فكان يهيئ الدعاة من أول الطريق لمواجهة كل الفروض كان يسر لهم في أحاديثه الخاصة والعامة ويقول : ( إن الدنيا ستتألب عليكم، وستحاربكم في أرزاقكم، وإن السجون ستفتح أبوابها لإيوائكم واستضافتكم ) وخطبهم يوماً فقال: { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وهذه سنة الله تبارك وتعالى في أصحاب الدعوات والمؤمنين بها والعاملين لها أن يبتليهم في أنفسهم وأرزاقهم وأولادهم وبالإيذاء والكيد والافتراء والكذب والعداء من منافسيهم وخصومهم والذين لا يعرفون حقيقة دعوتهم  { فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً } ما بعث الله نبياً من الأنبياء ولا أرسل رسولاً من لدنه إلا بالخير والهداية والصراط المستقيم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد لهذا جاء نوح ..وبهذا بعث إبراهيم . ولهذا دعا موسى .. وفي سبيله أرسل عيسى، وبهذه الحقائق هتف محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

تلك سنة الله التي لا تختلف { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفي بربك هادياً ونصيراً} وفي جلسة من جلسات المباسطة قال حسن البنا لإخوانه ( لقد جاءني سيدنا عمر في الرؤيا ينبئني بأعلى صوته: ستقتل يا حسن  .. فنهضت وحمدت الله ثم نمت ثانية فجاءني الهاتف قائلاً : ستقتل يا حسن، ثم قمت وتهجدت إلى الفجر ) وفعلاً لم يكد أعداء الإسلام يشعرون بقوة الحركة الإسلامية وخطرها على وجودهم حتى راحوا يصلونها بنار مكرهم وحقدهم .

وفي الثاني عشر من فبراير عام 1949 كان أعوان الملك فاروق ينفذون بأمر ( الإنجليز ) جريمتهم البشعة النكراء، وقتل حسن البنا في وضح النهار وفي أكبر شارع من شوارع القاهرة برصاص الطغاة والمستعمرين، ومات حسن البنا في وقت كانت الأمة الإسلامية أحوج ما تكون فيه إليه وإلى أمثاله .

أصحاب العقيدة يدفعون الثمن :

وتشتد المحنة في حياة الدعوة وتئول قيادة الأمة إلى حكام طغاة يسومونها سوء العذاب يقتلون رجالهم ويرملون نساءهم  وينزلون بهم كل منكر وحق على دعوة الإسلام أن تدفع الثمن، وتدفعه بسخاء، دماء وضحايا وشهداء، وما كان لعصبة أن تنكص وقد وعت المسئولية قبل حملها وقدرت التبعات قبل التصدي لها لقد مكر بالإسلام أبناؤه وأعداؤه، وعبئت للنيل منه قوى الشرق والغرب وجند لذلك رجال وأموال وألسن وأقلام وكتب وإذاعات .

فرواد الجاهلية لا يخشون غير الإسلام على زعاماتهم، ويدركون أن انتصار الحركة يعنى انكشاف أمرهم وانفضاح مكرهم، وبالتالي زوالهم عن مسرح الخداع والتضليل إلى الأبد على طريق (البنا ) تلاحقت مواكب الشهداء ومشت قوافل المجاهدين وتتابع الزحف العتيد يصدع بالحق عروش الطغاة ويزلزل صروح الظالمين ويلقى في قلوب الذين كفروا الرعب على نفس الطريق مضى العالم الفقيه صاحب ( التشريع الجنائي في الإسلام ) مستعلياً بإيمانه وفياً لإسلامه .

وعلى نفس الطريق مضى رائد الفكر الإسلامي الحديث وصاحب ( الظلال والمعالم ) وفي الكون صدى قصيدته العصماء زغاريد بهجة وأغاني أعراس للشهيد الجديد ..

أخي إن ذرفت على الدموع                         وبللت قبرى بها في خشوع

 فأوقد لهم من رفاتي الشموع                    وسيروا بها نحو مجد تليد

 أخي إن نمت نلق أحبابنا                             فروضات ربى  أعدت لنا

وأطيارها  رفرفت حولنا                                 فطوبى  لنا في ديار الخلود

 أخي ستبيد  جيوش الظلام                           ويشرق في الكون فجر جديد

فأطلق لروحك أشواقها                                  تر الفجر يرمقنا من بعيد

إنه طريق واحد تتزاحم فيه خطى الشهداء، وإنها أمنية واحدة ترددها قلوب المؤمنين ( الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ) .

كيف نواجه المحن ؟ :

إن الحركة الإسلامية إذ تواجه اليوم ما تواجه من تحديات وضغوط، وهي إذ تكابد ما تكابد من محن وبلاء ينبغي أن تستوي على يابسة وتستقيم على صخر وبالتالي ينبغي أن تنطلق على هدى؛ فلا تتحكم في سيرها الانفعالات، أو تمتد بها العواطف والطفرات .

إن الحركة الإسلامية مدعوة لمواجهة هذه الحرب السافرة على الإسلام وأهله بالصياغة الحسنة لشبابها ورجالها وبالإعداد الكامل ثم بالتخطيط الواعي لكل خطوة من خطاها، والحركة الإسلامية في العصر الحديث ينبغي أن تغرس في نفوس عناصرها ودعاتها روح البذل والتضحية بأن تضعهم بين الحين والحين أمام مسئوليات ومهمات تعودهم على الزمن الجرأة والتضحية والإقدام : وتستأصل من نفوسهم عوامل الضعف والخوف والانهزام إن الحركة الإسلامية مدعوة لتضع في تقديرها وحسابها في مجالات التربية والتكوين ثقل المسئولية وضخامة التبعة التي تنتظرها وتنتظر أفرادها فتسلك بهم كل ما من شأنه أن يعدهم لحياة المجاهدة والمرابطة والكفاح وتنأى عما يخلد بهم إلى الأرض ويعودهم حياة الدعة والخنوع .

إن الإسلام في هذه المرحلة بحاجة إلى العناصر المتحركة  الجريئة الناضجة أما العناصر الخاملة البليدة فلأنها ليست في مستوى المعركة التي يخوضها الإسلام اليوم فليتقدم لحمل المسئوليات أندادها وليبرز إلى المعركة أكفؤها وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم حيث يقول : ( رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده ).

منقول بتصرف من كتاب "مشكلات الدعوة والداعية” للأستاذ فتحي يكن - رحمه الله.