توجيهات ونصائح

لعله من المفيد بعد ما سبق من شرح وتوضيح للأسباب التى تكمن وراء تعدد الجماعات وحرصاً على تحقيق الوحدة بينها، أن نجمل بعض التوصيات النافعة التى تدعو العاملين في حقل الدعوة إلى الأخذ بها كوسيلة معينة لتضافر الجهود ووحدة العمل .

ندعو العاملين الصادقين إلى تفهم طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية في عصرنا هذا وما توجبه هذه المرحلة على المسلمين من واجبات، أولها وأهمها تحقيق الهدف الكلي، وهو إقامة دولة الإسلام وخلافته، وتكريس الجهود لتحقيقه، بدلاً من تشتتها حول أهداف جزئية لا تصمد للبقاء في غياب الدولة الإسلامية .

كما ندعو العاملين الصادقين إلى الالتزام بالفهم الصحيح الشامل النقي للإسلام كما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يساعد على جمع كلمة المسلمين وتوحيد وجهتهم وتضافر جهودهم بدلاً من أن يتوزعوا إلى فرق وطوائف نتيجة بعدهم عن الفهم الصحيح .

وندعوهم أيضاً إلى سلوك الطريق الصحيح للسير بالدعوة في اعتدال وتدرج مع التزام الدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة والاهتمام بإعداد الفرد المسلم القدوة، والبيت المسلم القدوة، والمجتمع المسلم القدوة، وكسب الرأى العام لصالح الدعوة الإسلامية، والاقتناع بأن الإسلام وحده هو الحل .

كما ندعو الشباب المسلم أن يعرف معنى انتمائه للإسلام وأن يقوم بمتطلبات هذا الانتماء وأن يتحرى الإخلاص في عمله، وأن يكون ولاؤه فى عمله لله ولدعوة الله، وأن يتفادى التعلق بالأشخاص فإن الحيّ لاتؤمن عواقبه .

كما نوصى شبابنا المسلم بالاستفادة من تجارب من سبقوهم ليواصلوا السير على بينة ووضوح مسترشدين بحكمة الشيوخ لأن المهمة عظيمة، والأمانة ثقيلة وتحتاج الى صبر ومصابرة، ونفس طويل، مع تجنب الاندفاع والتهور .

ونوصيهم أن يتجنبوا كل ما من شأنه إحداث فرقة أو تنازع بين العاملين في حقل الدعوة أو بينهم وبين غيرهم من المسلمين، فعليهم أن يتجنبوا الحكم على غيرهم بكفر أو فسق أو غير ذلك، وعليهم أن يأخذوا بأيديهم لإصلاح ما يقعون فيه من خطأ أو تقصير، وأن يعاملوا غير المسلمين بالبر و القسط كما أمر الله .

كما نوصي العاملين في حقل الدعوة ألا يجعلوا من الاختلاف حول الأمور الفرعية سبباً في التنازع و التباعد وعدم التعاون، ولكن لنأخذ جميعاً بهذه القاعدة الذهبية ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) .

كما ننبه العاملين فى حقل الدعوة الى سنة الله فى الدعوات وهى المحن والابتلاءات وننظر إليها على أنها منح فى صورة محن ، فنجنى إيجابياتها فى تمحيص وصلابة  ، ونتفادى السلبيات التى يهدف الأعداء الى تحقيقها من وراء المحن من ضعف وتمزق وتفرق .

ومن أهم ما نوصي به العاملين في حقل الدعوة الإيمان و الحب و العمل والإلتزام بشرع الله في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم العامة و الخاصة، وأن يكون كل منهم قدوة حسنة لغيره وأن يحقق الإسلام فى محيطه .

وفي هذا الإطار من المعانى السامية والقيم العالية يمد الإخوان أيديهم لكل عامل صادق راغب في الإسهام في إقامة صرح الدولة الإسلامية، ويفسحون صدورهم لكل نصيحة أو نقد بناء  يبتغى به صاحبه خير الدعوة وخير العمل الإسلامى، ويتحملون الأذى ممن يحاولون النيل منهم و التشكيك في مسارهم ونحاول برفق ولين تفنيد الاتهامات الباطلة .

وقد سبق للإمام الشهيد أن تصدى لبعض هذه التشكيكات، وفندها بأسلوب هادىء ومنطقى وفي الوقت نفسه محذراً من خطأ أسلوب الاتهام الباطل وما يترتب عليه من إثم ، فنجده فى رسالة المؤتمر السادس يقول :( نحب أن نقول كلمة صريحة لأولئك الذين لازالوا يظنون أن الإخوان يعملون لحساب شخص أو جماعة : اتقوا الله أيها الناس ولا تقولوا ما لاتعلمون واذكروا قول الله تعالى { والذين يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا  فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن أبغضكم الىَّ وأبعدكم منى مجلساً يوم القيامة المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العيب ) وليعلموا تماماً أن اليوم الذى يكون فيه الإخوان مطية لغيرهم أو أداة لمنهاج لا يتصل بمنهاجهم لم يخلق بعد ) .

كما نجده رضي الله عنه يقول في رسالة إلى الشباب :( أيها الشباب : يخطىء من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين ( جماعة دراويش ) قد حصروا أنفسهم فى دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية كل همهم صلاة وصوم وذكر وتسبيح ، فالمسلمون الأول لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو ، ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة ووطناً وجنسية وخلقاً ومادة وثقافة وقانوناً وسماحة وقوة، اعتقدوه نظاماً كاملاً يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة وينظم أمر الدنيا كما  ينظم أمر الآخرة ... ثم يقول : وإن الإخوان ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( رهبان بالليل وفرسان بالنهار ) وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان ) .

ونجده رضوان الله عليه في مذكرات الدعوة و الداعية يوضح طبيعة دعوة الإخوان وموقفها من الدعوات الأخرى فيقول :

أولاً : طبيعة دعوتنا :

لكل دعوة خصائص وخصائص دعوة الإخوان فيما أعتقد أمور نحقق بعضها، ونغفل عن البعض الآخر ، وحبذا لو لاحظنا الجميع حتى يكون النجاح تاماً و التوفيق كاملاً إن شاء الله، من هذه الخصائص: الإيجابية للبناء فدعوتنا تبنى ولا تهدم، وتأخذ بالإيجاب دائماً؛ فعلينا أنفسنا قبل كل شىء ، ومن خصائصها مطابقة العمل للقول فعلينا أن ندرس قانوننا وفيه الكفاية ونقتدى بما يقول ، ومن خصائصها الربانية فعلينا أن نديم صلتنا بالله ما استطعنا الى ذلك سبيلاً بدوام الذكر و الدعاء المأثور - وفى رسالة المأثورات غناء - ومن خصائصها التجمع فعلينا أن نجتمع دائماً وأن نتشوق الى اللقاء وأن نشعر بحقوق الأخوة ، ومن خصائصها الاحتمال و الكفاح فلنَرُض أنفسنا على ذلك، ولتتسع صدورنا لكل شىء، هذه مجملات تفصيلها تعلمونه جميعاً ويجمعها جميعاً البناء و العمل فاعملوا  .

ثانياً : موقفلنا من الدعوات الأخرى :

موقفنا من الدعوات فى هذا البلد دينية واجتماعية واقتصادية - بناء على طبيعة دعوتنا - موقف واحد على ما أعتقد: نتمنى لها جميعاً الخير، وندعو لها بالتوفيق، وإن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا من الالتفات إلى أنفسنا، إننا في حاجة إلى عدة وإلى تعبئة وإن أمتنا و الميادين الخالية فيها محتاجة إلى جنود وإلى جهاد، و الوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، كل في ميدانه والله مع المحسنين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق .

وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم فإن كان الحديث خيراً فاشكروا لها في أنفسكم، ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كانوا غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير، وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق، ولا تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله، ولا يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله، وستسمعون أن هيئة تتهمكم بالاتصال بهيئات أخرى تكرهها أو تصادمها فلا تهتموا بذلك، ولا تحاولوا أن تنفوه أو تثبتوه فإن على من اتهم أن يثبت و البينة على من ادعى .

ويوضح ذلك بأن من يهتم إما جاد يريد أن يتثبت فسيهديه تثبته إلى معرفة حقيقة الدعوة، وإن كان يريد أن يتسلى بالاتهام والغيبة؛ فلن يضركم أمره فدعوه وما شاء وسلوا الله تعالى لنا وله الهداية و النصرة .

ثم يقول :( وستسمعون أن قوماً يريدون أن يتصلوا بكم وأن تتصلوا بهم من أهل العمل إما صادقين أو غير صادقين، فأحب أن أقول لكم هنا بكل وضوح إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، وإنكم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه على قرآن ربه وأمناؤه على شريعته، وعصابته التى وقفت كل شىء على إحياء الإسلام في وقت تصرفت فيه الأهواء و الشهوات وضعفت عن هذا العبء الكواهل، وإذا كنتتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس ولا تأتي هى أحداً وتستغنى عن غيرها؛ إذ هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص ، إذاً فأقبلوا على شأنكم، ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عز وقوة؛ فمن مد لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم، ويؤمن إيمانكم، وينفذ تعاليمكم، ومن أبى ذلك فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه .

 

منقول بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .