في 28 جمادي الأول سنة 1372- 13 فبراير سنة 1953 ذهب مجلس الثورة إلى قبر الإمام الشهيد على رأسه الرئيس اللواء محمد نجيب وألقي بالنيابة عن مجلس الثورة كلمة عن الإمام ودعوته ولأن الفضل ما شهدت به الأعداء نحب أن نضع هذه الوثيقة بين يدي القراء لتدين الذين تنكروا لدعوة الشهيد وتاريخه فمنعوا مجرد ذكر اسمه طوال عهد الاستبداد الذي أسموه عهد مراكز القوى.

 

قال اللواء محمد نجيب

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها المواطنون.

من الناس من يعيش لنفسه لا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لم يشعر به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن...ومن الناس من يعيش لأمته واهبا لها حياته، حاصرا فيها نفسه، مضحيا في سبيلها بكل غال عزيز، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكراهم القلوب...والإمام الشهيد حسن البنا أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه رحمه الله، لم يعيش لنفسه، بل عاش للناس، ولم يعش لشخصه، بل عمل للصالح العام...لقد كان حسن البنا صاحب عقيدة أخذت بزمام نفسه، وملكت عليه منافذ حسه، فعاش من أجلها أشق عيشة ,أقساها، ومات في سبيلها أشرف ميتة وأسماها، وكان يؤمن بأن الدين هو الكفيل بإيجاد الأخلاق القويمة في نفوس أبناء الوطن العزيز، وهو الوسيلة إلى حمل النفوس على الفداء والبذل من أجل الكرامة والحرية والعدل.

وهي المعاني التي يأمر بها الدين ويريد إعلاء قدرها وتثبيت دعائمها بين الناس أجمعين ومن أجل ذلك راح –رحمه الله- يطوف القرى ويؤم المدن ويناقش العالم والجاهل ويربط نفسه بمواطنيه بعضهم ببعض حتى تمكن من إنشاء جيل من الشباب المؤمن بوطنيه بعضهم ببعض حتى تمكن من إنشاء جيل من الشباب المؤمن بوطنه ودينه إيمانا يدفعه إلى العمل، ويدعوه إلى البذل، ويحمله على استقبال الموت، باسم الثغر، رضي النفس، مكتفيا بما عند الله من ثواب خالد، أجل عما في الدنيا من نفع عاجل...ولست أنسى ما حييت هذا الشباب المؤمن القوي في معارك فلسطين، يقتحم على العدو أقوى الحصون، ويسلك إلى قتاله، أعصى السبيل، ويتربص بقواته وجحافله كل طريق، ويحتمل في ذلك من المشاق والصعاب مالا يستطيع احتماله إلا من امتلأت نفسه بعظمة الأحد الخالق، ووجد قلبه حلاوة الإيمان..

ولقد كان حسن البنا على قوة دينه، وشدة إيمانه يتحدث عن الإسلام في أفق واسع، وفهم سمح كريم حتى انتفع به العالم والجاهل، وكسب لدين الله أنصارا كانوا أبعد ما يكونون عن الدين، وكان الجميع يحترمونه أشد الاحترام، ولذلك لم يكن الفجيعة فيه فجيعة جماعة ولا فجيعة طائفة ولكنها كانت فجعة أمة، بل أمم غزا قلوبها وجمع على الأخوة أرواحها...

وكان رحمه الله حربا عوانا على الفساد والانحلال على قدر ما كان حربا على المغتصب والاحتلال، كان سلاحه الذي اعتمد عليه ذا ثلاث شعب:

الأولى: مكانة في النفوس لا يبلغها غيره....

الثانية: بيان رائع قوي يحرك، ويوجه ويثير....

الثالثة: قدرة على التجميع والتنظيم لم يصل إليها إلا الأقلون ممن تصدوا لقيادة الأمم.

ولقد أدرك أعداؤه وأعداء الوطن، أن هذا السلاح في يده لا يفل حديد ثم هو سلاح لا يقاوم سلطانه، ولا يدنو من الهزيمة ميدانه، ولذلك أجمع المجرمون أمرهم على قتله وحيدا لا حارس له، وأعزل لا سلاح معه، وكانت القوة التي دبرت قتله، ونفذته ،وأشرفت عليه، هي القوة التي يلوذ بها الخائن فتمنحه الطمأنينة والأمن ويحتمي بها المطارد، فتسبغ عليه ظلال السكينة والسلام ...

وقد ظن المجرمون الأنذال أن عين الله نائمة لا ترى ويده مغلولة لا تبطش، وقدرته عاجزة لا تنال منهم، وساء ما ظنوا فإن الله يمهل وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، «وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد» وكذلك كان وصدق الله وعده، وأحذ الظالمين بما اقترفت أيديهم وكان اغتيال حسن البنا، و عبد القادر طه ومن إليهما من أبناء مصر العزيزة، المشعلة التي أضرمت النار في صدورا لمخلصين، فأنقذوا البلاد من الظلم والطغيان وظهروها من الفساد والانحلال، ثم آلوا على أنفسهم، أن يضحوا في سبيلها، بكل أثر عندهم عزيز عليهم، حتى تتحرر من الذل والاحتلال، وما ضاع دم أسلم إلى المجد ولا مات ميت أعطى بلاده الحياة والخلود، «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا يشعرون»