فتحي السيد 

إنك لن تبلغ النصر الحقيقي على عدوك من البشر إلا إذا استطعت أولا أنا تتغلب وتنتصر على عدوك الأول وهو  نفسك التي بين جنبيك

انتصر على نفسك أولاً :

يقول الإمام الشهيد حسن البنا مخاطبا شباب الإخوان المسلمين :

يا شباب الإخوان المسلمين: ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنتم عما سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولًا، واذكروا أن الدنيا جميعًا تترقب جيلًا من الشباب الممتاز بالطهر الكامل، والخلق الفاضل؛ فكونوا أنتم هذا الشباب ولا تيأسوا.

إن أعظم أنواع النصر وهو الذي يتحقق لكل مجاهد سواءً على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة، هو انتصار المجاهد على نفسه وشيطانه والمحبوبات الثمانية وما يتفرع عنها من محبوبات عندما يسلك طريق الجهاد، وتلك الجواذب الأرضية التي فشل كثير من المسلمين بل فشلت الأمة بمجموعها في الانتصار عليها عدها الله تعالى بقوله (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)  [التوبة:24])،والعبد حينما يترك هذه المحبوبات الثمانية ويخرج للجهاد يكون قد انتصر على نفسه وعلى شهوته وعلى هذه الجواذب المثبطة.

ومن خلال هذا النصر يكون قد حقق نصراً آخر هو أعظم من الأول حينما ثبت له أنه ليس من أهل الفسق وأنه غير مخاطب بتهديد الله ووعيده في آخر الآية،كل هذا النصر قد حصل له عندما أثبت عملياً أنه يحب الله ورسوله والجهاد في سبيله فما أعظم ذلك النصر.

والناس في معركة النفس أصناف ثلاثة :
1- صنف انتصرت عليهم أهواؤهم، فركنوا إلى الأرض وأخلدوا إلى الدنيا، وهؤلاء هم الكفرة ومن نهج نهجهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ويصفهم في قرآنه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ علَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية : 23).
2- وصنف يجاهدون أنفسهم، ويصارعون أهواءهم فينتصرون تارة وينهزمون أخرى، يخطئون فيتوبون، يعصون الله فيندمون ويستغفرون : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135) وهؤلاء أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (كل بني آدم خطاء، وخير الخاطئين التوابون).
ومما يروى في هذا المعنى عن (وهب بن منبه) أنه قال : أن إبليس لقي يحي بن زكريا عليهما السلام، فقال له يحي بن زكريا : أخبرني عن طبائع ابن آدم عندكم ؟ قال إبليس : أما صنف منهم فمثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء، والصنف الثاني: فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم وقد كفونا أنفسهم.
 والصنف الثالث: فهم أشد الأصناف علينا، فنقبل على أحدهم حتى ندرك حاجتنا منه ثم يفزع إلى الاستغفار فيُفسد به علينا ما أدركنا منه، فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك حاجتنا منه.
■ مقومات النصر في معركة النفس.
• القلب: ما كان حياً، رقيقاً، صافياً، صلباً، مشرقاً لقول علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: (إن لله تعالى في أرضه آنية، وهي القلوب، فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها، ثم فسرها فقال : أصلبها في الدين، وأصفاها في اليقين، وأرقها على الإخوان) وقوله : (قلب المؤمن يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس).
والقرآن الكريم يصور قلوب المؤمنين فيقول : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الأنفال : 3) بينما يصور قلوب الكافرين فيقول : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِالصُّدُورِ) (الحج : 46) ويقول : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد : 24).

• العقل: ما كان بصيراً، مدركاً، مميزاً، مقتبساً العلوم التي بها ينال القرب من الله، ويدرك عظمته وقدرته وقوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر : 28) ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيمة هذه النعمة بقوله : (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) وقوله إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : (إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك) وقوله : (ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى).
ولذلك دفع الإسلام إلى العلم والمعرفة، وإلى التفقه في الدين، ليأخذ العقل من الأسباب ما يستعين به على التمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، فقال صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وقال : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي) كل ذلك لما للعلم من قيمة وأثر في تعميق الإيمان في النفوس وفي تعريف الإنسان على حقائق هذا الكون.
فعقل المؤمن عقل واع يميز بين الخير والشر، والحلال والحرام، والمعروف والمنكر لأنه ينظر فيه بنور الله من وراء ستر رقيق : (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور : 40) ونور العقل لا يطفئه إلا المعاصي والدوام عليها والمجاهرة بها وعدم التوبة منها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً) وقوله : (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض).
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : (لما دخلت على عثمان رضي الله عنه، وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً، وتأملت محاسنها، فقال عثمان لما دخلت : يدخل أحدكم وأثر الزنا على عينيه، أما علمت أن زنا العينين النظر ؟ لتتوبن أو لأعزرنك ؟ فقلت : أوحي بعد النبي ؟ فقال : لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة).

أعاننا الله على أنفسنا، وثبتنا وإياكم على الحق، ووفقنا لما يحب ويرضى .