أشرف دوابه

 انعقدت يوم الجمعة الماضي في "جزيرة الديمقراطية والحريات" قبالة ولاية إسطنبول في بحر مرمرة؛ قمة المجلس التركي الثامنة. ويضم الدول الناطقة بالتركية ممثلة في تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، والمجر بصفة مراقب.

وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحويل المجلس التركي إلى "منظمة الدول التركية"، مع انضمام تركمانستان بصفة مراقب، ليكون ذلك نواة لمنظمة تجمع الشعب التركي في دول متعددة. وقد تم اختيار "نزل عارف باشا" التاريخي في إسطنبول مقرا للأمانة العامة للمنظمة، ولرفع أعلام الدول الأعضاء فوقه.

وكان "المجلس التركي" قد تأسس في 3 أكتوبر 2009، ومقره مدينة إسطنبول، بهدف تأسيس وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا التعليم، والاقتصاد، والسياسة الخارجية، والمواصلات، والجمارك، والسياحة، والإعلام، والرياضة والشباب، فضلا عن تعميق العلاقات البينية وتوسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وترسيخ السلام والاستقرار فيها.

وقد وافق الرؤساء في قمة إسطنبول الثامنة على وثيقة "رؤية العالم التركي 2040" التي ترسم المنظور المستقبلي للمنظمة، من خلال تعزيز التضامن السياسي والتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي، وتفعيل العلاقات الإنسانية والاجتماعية والتنموية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله والتطرف والعنصرية ومعاداة الإسلام، واتخاذ خطوات مشتركة ضد الأزمات مثل التغير المناخي والأوبئة. وقد بدا التشارك بين الدول الأعضاء واضحا من خلال تقاسم الإمكانات خلال انتشار وباء كورونا، فضلا عن الدور التركي البارز في النصر الذي حققته أذربيجان على أرمينيا.

وقد جاء في رؤية المنظمة 2040 أنها تهدف إلى دعم قدرة أعضائها على مواجهة تحديات العصر بشكل فردي وجماعي، حيث سيتم تسخير روح التعاون الحالية لخدمة الهدف الأساسي لكل دولة عضو، لرفع المعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعاتها، من خلال الآليات التعاونية والمشاريع المشتركة، وتجميع الخبرات وتقديم الموارد المادية والفكرية عند الحاجة، وسوف توفر المنظمة منصة قوية وشفافة للتعاون المتزايد والتضامن. وإدراكا للحقائق الجيوسياسية العالمية والإقليمية، ستسعى المنظمة إلى العمل كمجموعة إيجابية تزداد قدرتها على إشراك جميع الشركاء الراغبين في التعاون البنّاء من أجل تحقيق السلام والاستقرار والازدهار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي هذه العملية، ستتمسك المنظمة بالقانون الدولي وثقافة التعاون المتعدد الأطراف بهدف دعم حالة يمكن التنبؤ بها على الصعيد الدولي.

ويأتي ميلاد هذه المنظمة بارقة أمل في مرحلة حرجة من التفكك بل والتآمر الذي يضرب أركان الوحدة بين الدول الإسلامية، فمنظمة التعاون الإسلامي أضعفتها الخلافات السياسية، وينطبق الأمر ذاته على دول مجلس التعاون الخليجي، وتحولت الجامعة العربية إلى خنجر في خاصرة القضايا العربية والإسلامية، حتى أن التجمع الإسلامي الذي ضم تركيا وباكستان وإندونيسيا وماليزيا وقطر واجه تآمرا عربيا لإفشاله، لذا فمن حق تركيا بعد أو وجهت وجهتها للتعاون مع بني دينها ووجدت التآمر عليها من كل حدب، أن تتوجه إلى بني قومها، لا سيما وأن الإسلام يجمعهم جنبا إلى جنب مع القومية. والتاريخ شاهد على أن الأتراك حملوا الإسلام وحموه لأكثر من ستة قرون، وكان وقتها وضع المسلمين أفضل حالا وأكثر قوة ومكانة وعدلا وانتشارا مما هو عليه حالنا الآن، والذي قسم المستعمر فيه بلاد الإسلام إلى دويلات غلب على سلوكها التآمر ضد بعضها البعض؛ والولاء للصهاينة واتخاذهم قربانا لملكهم.

إنه من رحم الألم يولد الأمل، وإذا كان الحاضر مظلم فالمستقبل بإذن الله مشرق، فالتكامل بين هذه الدول قادر على ميلاد كيان يملك غذاءه ودواءه وسلاحه، لا سيما في ظل التطور الذي شهدته تركيا علي الصُّعد كافة، فيمكن لهذه الدول الاستفادة من التجربة التركية في بناء اقتصادها. وفي الوقت نفسه قد تكون هذه المنظمة طوق النجاة للاقتصاد التركي بتوفير ما يحتاجه من موارد تزخر بها الدول الأخرى في المنظمة، من ذهب وفضة وحديد ونحاس وتيتانيوم وكروم ومنجنيز وكوبالت ونفط وغاز، لا سيما وأن موارد الطاقة تمثل نصيب الأسد من الواردات التركية. فإذا تم ذلك من خلال تفعيل نظام المدفوعات المتعددة داخل المنظمة - بل وتوحيد المنظمة عملتها مستقبلا - فإنه حتما سيكون له دور ملحوظ في تحسن قيمة الليرة التركية، لا سيما في ظل انفتاح أسواق تلك الدول على الصادرات التركية، وهو ما يسهم بفعالية في التنمية والاستقرار بدول المنظمة.

twitter.com/drdawaba