التربية : هى الأسلوب الأمثل للتعامل مع الفطرة البشرية توجيها مباشراً بالكلمة، وغير مباشر بالقدوة، وفق منهج خاص ووسائل خاصة؛ لإحداث تغيير فى الإنسان نحو الأحسن .

    فالأسلوب: هو الطريقة؛ أى طريقة التعامل مع الإنسان .

    والأمثل: الأحسن، والأفضل، والأنفع، والأصلح ...إلخ ، وأمثل الأساليب فى التربية ماربى الله سبحانه عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وما ربى النبى أصحابه عليه.

    ويلتمس ذلك فى السنة عموما، والسيرة النبوية على وجه الخصوص .

    والفطرة : هى الطبيعة البشرية بكل ما فيها من فضائل وعيوب، وما تحتويه من تناقضات، كالخير والشر، والحب والبغض، والخوف والرجاء، والجماعية والفردية، والإلتزام والتفلت، والإيجابية والسلبية .

    والتعامل مع الفطرة البشرية من أعقد الأمور وأصعبها، فقد عجز عن التعامل الأمثل مع الفطرة البشرية عديد من علماء التربية والإجتماع والنفس؛ لأنهم تعاملوا مع هذه الفطرة دون معرفة دقيقة لها؛ فوضعوا لها من المناهج ما لم يف بحاجاتها، ولم يكن قادرا على نقل هذه البشرية من الشر إلى الخير أو من الضلال إلى الهدى، إذ الأصل فى التعامل مع هذه الفطرة البشرية التى فطر الله الناس عليها أن نأخذ بتوجيه خالق هذا الإنسان العالم بكل أبعاد نفسه العارف لكل ما يصلحه .

    والتوجيه المباشر : هو تعليم وتربية وإعداد مباشر للفرد، ويكون بالكلمة، والكلمة أمر أو نهي، أو ندب،أو تحبيب، أو تنفير أو لفت نظر، أو تشويق أو تخويف، وقد تكون الكلمة عظة أو قصة، أو سردا لحدث، أو مقالة أو دراسة، أو كلمة مسموعة أو مرئية، كل ذلك بقصد إحداث التغيير .

    والتوجيه غير المباشر : هو إعطاء القدوة والأسوة بالعمل الصالح والسلوك الراشد والخلق القويم؛ ليحذو المربى حذو المربى .

    والتوجيه مباشرا كان أو غير مباشر أشبه ما يكون بوجهى العملة، لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، ولا يغنى عنه؛ فلابد من هذا وذاك .

    ولنا فى القرآن الكريم ، وما حواه من أمر ونهى، وترغيب وترهيب، وندب وزجر ، وفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وما كان عليه من خلق وسلوك ، أروع الأمثلة للتوجيه المباشر أو غير المباشر .

    والمنهج : هو الطريق الواضحة المعالم والخطة المرسومة بدقة، وهو المنهاج كذلك . قال تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) أى طريقة إلهية يتحاكم إليها الناس .

    والمنهج أو المنهاج أو الشرعة أو الشريعة نوعان :

    أحدهما : ظنى النتائج كثيرا ما يصاحبه الفشل، وهو كل منهج يضعه واحد من الناس أو مجموعة منهم بقصد إحداث التغيير فى الإنسان .

    والثانى : قطعي النتائج، يصاحبه النجاح والفلاح، وهو الذى شرعه الله، ونهج لنا طريقه، وذلك شقان :

1 ـ ما سخر الله عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح العباد وعمارة البلاد، وذلك ما أشير إليه في قوله تعالى ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ) سورة الزخرف الآية(32) .

2 ـ ما قيض الله للناس من الدين وأمرهم به ليتحروه اختياراً؛ مما تختلف فيه الشرائع ويعترضه النسخ، ودل على ذلك قوله تعالى: ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها )، قال ابن عباس: الشرعة: ما ورد به القرآن، والمنهاج : ماوردت به السنه .

    وهذا المنهج الربانى يلتمس من مصادره، وهى : الكتاب، والسنة، والسيرة النبوية، وسيرة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وما أجمعوا عليه من أمر .

    وهذا المنهج الربانى شامل متكامل، يعالج كل شعب الحياة البشرية فى شموله، ولا يحتاج إلى سواه من المناهج .

لماذا التربية ؟

  لأن النشاط التربوي لم يتوقف على الرغم مما لاقت الحركة من الحذر والتحدى، ولا غرو فإن التربية عندنا أشبه ما تكون بقطرة الماء التى تسيل أبدا من منبعها ، فهى لابد ملاقية أرضا صالحة، ومُنْبِتَة نباتا صالحا، على الرغم من كل العقبات والعراقيل... وماذا يمنع القطرة ـ فى هدوئها، واستمرارها، وإصرارها على أن تغادر منبعها ـ من أن تمضى فى طريقها وتجرف بنفس الهدوء والإصرار أعتى العقبات وأشد الحواجز ؟

    إن التربية عندنا تنبع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتستعين بسير الصحابة والتابعين، وتستهدى القدوة المعصوم صلى الله عليه وسلم  وسير الصالحين المجددين من أئمة الهدى على مر التاريخ الإسلامى كله، وتتخذ من أولئك الرجال الذين بايعوا على العمل للإسلام فى ظل أركان البيعة المحفوظة لدينا، المحفورة فى نفوسنا وسلوكنا من فهم وإخلاص، وعمل وتضحية، وجهاد وطاعة، وثبات وتجرد، وأخوة وثقة، تتخذ من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى فى هذه الدعوة نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ـ تتخذ منهم مصابيح هدى فى الليل الحالك، ومعالم حق فى دياجير الباطل، وتمضى فى طريقها مستعينة بالله، مسترشدة بآداب الإسلام وأخلاقه ومنهجه وشريعته .

    إن للتربية فى برامجنا أهمية قصوى لاتدنيها أهمية، ولقد أدرك الأخوة منذ خطواتهم الأولى على درب العمل الإسلامى، أن أمثل الطرق للإصلاح هي طريقة تربية الأفراد وَفق منهج الإسلام ونظامه، للوصول بهم إلى الغاية وهي: تكوين المجتمع المسلم، فالأمة المسلمة، فالدولة الإسلامية التى تحكم بما أنزل الله .

    ولقد بدا الإصرار على وجوب التربية والبدء بها منذ بداية التأسيس لهذا الصف المبارك ينادى بأن العمل يقوم على ثلاث مراحل ، وكل مرحلة منها إنما تقوم على التربية؛ لذلك  فالتربية فى برامجنا لها عناية خاصة، وجعلت من الأولويات الهامة فى عملنا  بل جعلوها عملا مستمرا لا يتوقف فى أى مرحلة من مراحل تاريخ هذا الصف المبارك  .

تكمن أهمية الاهتمام بالشأن التربوي، كون الداعية يتعرَّض للكثير من التحديات الخارجية والداخلية، وهي التي تحتاج منه أن يواجهها بنفس قوّية متينة، وإلا كان هذا الداعية ضحية للكثير من الأمراض، بل وربما أدَّى به إلى التساقط عن الطريق المستقيم لضعفه وقلة مناعته.

ولهذا، فإنَّ الاهتمام بالتربية الدعوية يؤدي إلى إيجاد الأفراد القادرين على تحقيق التغيير الشامل في المجتمع، بحيث يكون هؤلاء قدوة للآخرين، وعاملاً لمساعدة الناس على تحقيق النهضة بكافة أشكالها، سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية وأخلاقية وغيرها.

[منقول بتصرف من وسائل التربيةعند الإخوان المسلمين ]