(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )

إن طريق الدعوة لابد أن تكون معالمه واضحة، ومعروفة نهايته، جلية وسائله؛ حتى يسير الداعية فيه على بصيرة، ويعمل على هدى، ويبذل جهدا في موضعه؛ لينشر دعوته، ويعرض فكرته، ومع ذلك  فجميعنا بحاجة إلى وقفة بين الحين والآخر للوقوف على يقين القلوب في ذلك

وقد أشار الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة( دعوتنا ) إلى هذا حيث قال : إذ أننا نحب أن نصارح الناس بغايتنا، ونجلي أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، في غير لبس ولا غموض، أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار، وإذا كان ذلك من حق الناس علينا فهو في حق الصف أولى.

نحن ندعو الناس إلى مبدأ، مبدأ واضح محدود مسلم به منهم جميعاً، هم جميعاً يعرفونه، ويؤمنون به، ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيه خلاصهم وإسعادهم وراحتهم، مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود، وأهليته لإصلاح الوجود، والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم، على حين أنه إيمان مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين.

إن أول شروط الداعي وضوح الرؤية لديه؛ بحيث يعرف من أين يبدأ، أو إلى أين يريد أن ينتهي، وما حدود المجال الذي سيعمل فيه، وقيمة كل دعوة في الهدف الذي يسعى الداعي إلى تحقيقه من وراء دعوته، ويرمي إلى تحصيله من خلال بلاغه، وكلما كانت الرؤية واضحة والهدف محددًا كان السير صحيحًا، والعمل متزنًا، والثمرة يانعة، وغاية الدعوة رضا الله تعالى، وتحقيق عبودية الله في أرضه، وعمارة الكون عن طريق البلاغ.

ذلك أنه بقدر وضوح الغاية والوسيلة، أي الأهداف ووسائل تحقيقها لدى المدعوين، بقدر سهولة اقتناعهم بالفكرة،  والمشاركة في تنفيذها، والدعوة إليها، والتبشير بها.

ومن هنا كان لابد للعاملين في ساحة الدعوة أن ينطلقوا بها من الفهم الشامل للإسلام، وهم مؤمنون بقدرة هذه الدعوة على حل مشاكل الحياة الفردية والاجتماعية.

وهكذا إذا وضحت الرؤية وتبين الطريق صح العمل، وسار سيرا جاداً نحو ما يجب تحقيقه في نشر هذه الدعوة وتبليغها إلى من يحمل همها، ويشارك في أعمالها ويسعى لتحقيق أهدافها .

ويقول الشيخ العلامة محمد الغزالي رحمه الله(مجلة الرسالة العدد 1051 بتاريخ 5 آذار عام 1964):

“يتطلب تجديد الإسلام نظرة أخرى إلى الرجال الذين يحملون علومه، وينصرون في الحياة مبادئه،فإن الطريقة التي يتكونون بها،والمستويات التي لا يجوزون حدها، تظلم الإسلام وتقف بنجاحه عند آفاق دانية.

إن الله اختار المُبلغين عنه من أكرم البشر عرقاً، وآلقهم فكراً، وأزكاهم معدناً، وأرحبهم طاقة، واستنبتهم في بيئات تحفهم بالإكبار، وترمقهم بالتجلّة، وربما عادتهم هذه البيئات بعد أن يبلغوا رسالات ربهم وكرهت أشدّ الكره ما يجيئون به من وحي. بيد أن أشدّ خصومهم لايستطيع أن يجرح أشخاصهم، ولا أن يغمز أخلاقهم، ولا أن يلمح في سيرتهم الماضية أو الحاضرة ما يخزيهم به…ولقد كان أبو سفيان حامل راية الحرب على محمد صلى الله عليه وسلم زماناً طويلاً، فلما علم أنه تزوج ابنته بعد إسلامها وممات رجلها لم يشعر قط بأثارة من غضاضة، بل أحسّ أنها صارت إلى الرجل الذي يشرفها وقال: هو الفحل لا يجدع أنفه.

وصدور الدعوة الدينية عن رجال تلك مكانتهم الشخصية وضع للأمور في مواضعها فإن العظائم كفؤها العظماء.

وتعريف الناس بالله وسياستهم بِهداه وفك آصارهم النفسية والاجتماعية بشرعه ذلك كله ينتقى له السادة من البشر.السادة بمواهبهم وكفايتهم.لا بالزعم والدعوى…ولذلك قال ابن مسعود:"لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم،فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا”.

والأكابر ليسوا أصحاب الجثث الضخمة، ولا الأسنان المتأخرة، ولا الثروات العريضة، ولا الوظائف المهيبة…إن الأكابر في فهم ابن مسعود هم أصحاب الهمم البعيدة، والمروءات العالية، والعفة الظاهرة، والأبصار السديدة والأفئدة الزاكية.

إذا لابد من دعاة نابهين مهمومين بأمر دعوتهم باذلين أقصى جهدهم في سبيل تبليغ هذا الأمر لكل الناس حاملين لواء الدعوة إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها؛  فهل وقف كل منا من  نفسه موقف صدق يعالج مبادئ دعوته وثوابتها  ويحدد على أي أرض  قد صاف قدمه ومع أى ركب يسير  وإلى أى غاية سيصل  .