شاء قدركم أيها الإخوان والعاملون لدين الله عز وجل أن تنتقلوا من عبادةٍ إلى عبادةٍ، ومن عملٍ إلى عمل، وهو اصطفاء وتشريف يستوجبان الشكر لواهب النعم والموفق لكل خير (سبحانه)، وبمناسبة الفراغ من مرحلة الدستور وبَدء الاستعداد لما بعدها نحب أن نذكّر أنفسنا وحضراتكم بهذه المعاني:

 

1- (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)) (الشرح).. هو توجيه عظيم لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، ومََن اقتفى أثره بألا يفرُغ من عبادة أو جهاد أو عمل إلا دخل في غيره، وهو توجيه يحفظ الهمّة ويُنبه المؤمنين إلى الاستشعار الدائم للمهمة التي خُلقوا من أجلها والغاية التي يسعون إليها, وقديمًا قال الشافعي رحمه الله: "طلبُ الراحة في الدنيا لا يصلحُ لأهل المروءة، فإن أحدَهم لم يزلْ تعبان في كل زمان"، وسُئل أحمد رحمه الله: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: "عند أول قدمٍ يضعها في الجنة"، فاحمدوا الله أيها الإخوان أن وفقكم واستعملكم في طاعته وخدمة دينه ونجاكم من (العبث والسُّدى)، وإن شقّ عليكم تواتُر التبعات والتكاليف فاذكروا قوله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ) (النساء: من الآية 104)، وقول سيدنا عليّ للمقصرين: "يا عجبًا من جدّ هؤلاء في باطلهم وفشلكم في حقكم".

 

2- (وَتَزَوَّدُواْ).. ولا تنسوا مع كل جهاد أفضل العُدة وأقوى المَكيدة- كما قال الفاروق- وهي تقوى الله وحسن الصلة به سبحانه، فالله قبل أن يأمرنا بقوله (وَجَاهِدُواْ) أمرنا بقوله (ارْكَعُواْ وَاسْجُدُوا واعَبُدُوا رَبَّكَمْ)، فلا يليق بمجاهد أو عامل أن يتعلل بكثرة الحركة فيقصر في العبادة، كما لا يليق بالعابد أن يقنع بالعبادة فيقصر في الجهاد، ولأهمية الزاد الإيماني للمجاهدين قال أبو الدرداء رضي الله عنه: أيها الناس عمل صالح قبل الغزو، فإنما تُنصرون بأعمالكم، وكان الفضيل بن عياض يوصي المجاهدين قائلاً: عليكم بالتوبة فإنها ترُدّ عنكم ما لا ترده السيوف، ومن وصايا الإمام البنا وهو يتحدث عن مهمة المسلم: أيها المسلمون، عبادة ربكم والجهاد في سبيل التمكين لدينكم وإعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة, فإن أديتموها حق الأداء فأنتم الفائزون, وإن أديتم بعضها أو أهملتموها جميعًا فإليكم أسوق قول الله تبارك وتعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ , فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (المؤمنون: 115-116)، لهذا المعنى جاء في أوصاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده: (رهبان بالليل فرسان بالنهار) ترى أحدهم في ليله ماثلاًَ في محرابه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم (أي اللديغ)، ويبكي بكاء الحزين ويقول: (يا دنيا غرّي غيري)، فإذا انفلق الصباح ودوّى النفير يدعو المجاهدين, رأيته رئبالاً (أي أسدًا) على صهوة جواده, يزأر الزأرة فتدوي لها جَنبات الميدان.. فاحرصوا على أورادكم وتواصوا بها وتكافلوا فيما بينكم على أدائها ومتابعتها.

 

3- وتعلقوا بالله لا بالريح الطيبة أحيانًا نجد الأسباب مواتية والناس راضية، وقد نرى أنفسنا ونتعلق بالعدد والتخطيط و...، فنفرح بالريح الطيبة وتتعلق القلوب بالأسباب، وفجأة تشتد الأمور وتحيط الأزمات وتزيغ الأبصار وتضطرب القلوب، وهنا يكون الاستدعاء الإجباري (لعلهم يتضرعون)، ولكن أليس من الأليق بأهل الدعوة والصدق أن يذكروا ربهم في السراء والضراء ولا يكونوا من الغافلين؟ أليس من الأولى بهم أن يتعلقوا برب الأسباب لا بالأسباب؟

 

4- (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) لا تطمعوا في أن يتوقف الكيد والمكر- فهما عادة الكافرين والمنافقين- ولكن عليكم بالدروع الواقية والدخول في حصن الله، ومن ذلك العبادة (أَليسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ)، وعلى قدر العبودية تكون الكفاية، ومنه الصبر والتقوى (وَإِنْ تَصْبُروا وَتتقوا لا يضركم كيدُهم شيئًا)، ومنه الثقة بالله والاعتصام بحبله والاعتماد على فضله، أوحى الله إلى داود" وعزتي ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها والأرض بمن فيها إلا جعلت له ما بين ذلك مخرجًا"
 5- (مَا جئتم به السحر إنَّ الله سيُبطله): رأينا الحملات الإعلامية المستعرة في كل مرحلة من مراحل المواجهات، ورأينا آثارها المروعة ثم رأينا كيف أطفأها الله وأخرجنا منها سالمين غانمين، ومع تأكيدنا قيام أجهزتنا الإعلامية- وعلى رأسها الفرد والأسرة- بدورها، إلا أننا نؤكد ضرورة اللجوء إلى الله لردّ هذه الحملات، وأذكّركم بما فعله أهل مكة مع الطفيل بن عمرو وكيف خوّفوه من محمد حتى وضع في أذنيه قُطنًا حتى لا يسمع منه، ولكن ما لبث أن دخل الحرم حتى وجد النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي- وهذا هو السرّ الرباني- فرفع القطن واستمع وآمن، وأبطل الله كيد الكائدين، فأحسِنوا صلتكم بربكم ثم بعباده، يُبطل لكم سحر الساحرين وكيد الكائدين.

 

6- واجبات محددة:

- الثقة بالله سبحانه وإشاعة الأمل في نفوس الناس ودفعهم للإيجابية.

 

- الحرص على الوحدة والأخوّة والثقة في القيادة.

 

- زيادة الاتصال بالناس للشكر والثناء وتأكيد الهوية الإسلامية وإحياء قيم التعاون والانتماء.

 

- حُسن الحوار والتلطف والرفق والتعاون على المشتركات والمتفق عليه، والصبر على الأذى.

 

- قيام الأسرة بأنشطة اجتماعية مصاحبة (سهرات- عمارة مساجد- حملات نظافة- رحلات مشتركة).

 

- الاهتمام بالأوراد الإيمانية والتكافل في أدائها وتفعيل متابعتها.

 

والله الموفق والمستعان  

-----------

* المنوفية- سرس الليان