في الأصول العشرين أوضح الإمام الشهيد حسن البنا مجموعة من أصول فهم الإسلام، ويمكن تقسيمها إلى أصول في فهم العقيدة، وأصول في فهم الفقه، وأصول في فهم أصول الفقه، وأصول عامة.

في الأصل الأول ركز الإمام البنا على توضيح معنى شمولية النظام الإسلامي لجميع نواحي الحياة، وأوضح أن الإسلام دين شامل ينتظم أمور الحياة جميعا، ومن بينها تنظيم شئون الدولة والوطن، والأمة والحكومة، والجهاد والدعوة، والمال والاقتصاد، والثقافة والعلوم، كما هو عقيدة وعبادة.

وينص الأصل الأول من الأصول العشرين على أن "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهرالحياة جميعا:

فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة

وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة

وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء

وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى

وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة

كما هو عقيدة صادقة، وعبادة صحيحة سواء بسواء"

وهذا الأصل يقرر حقيقة هامة من حقائق الإسلام وهي شمول الإسلام لكل مظاهر الحياة؛ فقد قال الله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) (النحل - 89).

وفى توضيح  معنى شمولية الإسلام يقول الإمام البنا: " يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة خصوصا في الأمور الدنيوية البحتة؛ فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من الشئون، ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها".

ويمكن توضيح جوانب من شمول الإسلام على النحو التالي:

"الإسلام دولة ووطن أو حكومة وأمة"

والإسلام بهذا المعنى دولة متكاملة البناء، تمارس حقوقها، وتؤدي واجباتها، كما تدل على ذلك نصوص الدين والممارسة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وممارسة ذلك على فترات غير قصيرة من التاريخ.

والمقصود بأن الإسلام حكومة أي أن الحكومة والحاكم في الإسلام يخضعون جميعا لأحكام الشريعة.

والمسلمون أمة واحدة، ووحدة الدين هي التي تربط بينهم بأوثق الروابط. وأما وحدة الأصل فإن لها في الإسلام معني أشمل وأعم وأنبل، وهو أن الناس جميعا لأب واحد هو أدم عليه السلام، وأن رب الناس واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

"والإسلام خلق وقوة أو رحمة وعدالة"

والأخلاق في الإسلام هي مجموعة المبادئ والقيم التي تنظم سلوك المسلم، ويحددها الوحي لينظم بها حياة الإنسان، ويضع لها من الضوابط ما يمكنها من أن تحقق الغاية من وجود الإنسان على هذه الأرض وهي عبادة الله سبحانه المؤدية إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة" [علي عبد الحليم: معالعقيدة والحركة والمنهج]

والإسلام قوة معنوية تتمثل في الإيمان الصادق الداعي إلى العمل الصالح، وهو قوة مادية تتمثل في الجهاد في سبيل الله، وهو قوة نفسية نابعة من التجارب التي تجعل المسلم متمسكا بأخلاق الإسلام وسلوكه في كل أمر من أموره وهو قوة اجتماعية تدفع الأفراد إلى الخير والإيثار وتقديمه للناس عموما.

والإسلام رحمة بمعنى أنه الدين الذي يأمر أتباعه بالرحمة ويوجبها عليهم، والمقصود بأن الإسلام عدل،أي أنه يقيم العدل بين الناس ويقضي على كل أنواع الظلم.

الإسلام ثقافة وقانون أو علم وقضاء

الإسلام ثقافة بمعنى أنه مبادئ ونظم ومنهج يدركه المسلم ويتعلمه ويرتقي بمستواه العلمي والثقافي عبر العلم النافع والثقافة الرشيدة.

وأما أن الإسلام قانون فهذا يعني أنه مجموعة من المبادئ التي تضبط السلوك الاجتماعي وترشده، وإن القانون في الإسلام يوجه الثقافة بوجهها ويضبطها، كما يوجه المجتمع ويضبطه، ومن خلال هذاالضبط هنا وهناك تكون الحياة الإسلامية الراشدة.

والإسلام علم بمعنى أنه علم الناس الأمور التي تصلحهم فيعملون بها، وعلمهم الأمور التي تفسدهم ليجتنبوها. وأشرف العلوم التي جاء بها الإسلام هي العلم بالله ومعرفته وتوحيده وعبادته.

والإسلام قضاء بمعنى أنه بما يحتوي عليه من مبادئ وقيم وآداب وأحكام وشرائع يستطيع الفصل في القضايا كلها، الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والفكرية والثقافية، بل في أي قضية تتصل بالحياةالإنسانية في مختلف شعبها.

"الإسلام مادة وثروة أو كسب وغنى"

والمقصود بأن الإسلام مادة يصلح الحياة المادية للبشرية ويضبطها بأحكام وآداب وشرائع متوازنة،

وإذا كانت الحياة الإنسانية تقوم على المادة والروح فإن الإسلام ضبط أمور الروح والمادة معا، واعتنى كثيرا بتنظيم أمور الجانب المادي من الإنسان ومن حياته ووجهه أحسن التوجيه.

ومعني أن الإسلام ثروة أنه يقيم الوزن الصحيح والمعتدل لكل ما هو مادي في حياة الإنسان ويوظفالثروة في أحسن ما توظف فيه لصالح الحياة الإنسانية كلها.

ومعني أن الإسلام كسب وغنى أنه يأمر الإنسان بالعمل والكسب الحلال الطيب، ويطالبه بألا يعيش عالة على سواه.

(الإسلام جهاد ودعوة أو جيش وفكرة)

الجهاد والمجاهدة: هو استفراغ الوسع في مدافعة العدو، ومنه مواجهة العدو الظاهر، ومجاهدةالشيطان ومجاهدة النفس ومجاهدة المنافقين. قال الله تعالى: (وجاهدوا في الله حق جهاده). [الحج:78] وهذا الجهاد ماضِ إلى يوم القيامة.

الإسلام دعوة، يعني أن الإسلام هو دعوة إلى الله الملك الحق المبين، أي دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فالدعوة واجب على كل مسلم قادر يملك البصيرة بما يدعو إليه، قال الله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) [سورة: يوسف: 108] فهي توجه كل من اتبع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى الله على بصيرة.

والإسلام جيش وفكرة: 

الجيش بلغتنا المعاصرة هو القوات المسلحة التي تخضع للتنظيم الدائم.

وكان الجيش على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضم كل مسلم قادر على القتال في سبيل الله. ولذلك فإن الإسلام بكل أفراده الذين يدينون به يمثل جيشا له كل مقومات الجيش وكل اختصاصاته، ويجمع كل قادرعلى القتال، ويتجاوز عن أصحاب الأعذار.

ومعني ذلك أن الإسلام قوة لأن الجيش قوة، ولكن الإسلام يجعلها قوة موظفة للحق، ولإحقاق الحق، ولإبطال الباطل، وليست قوة عدوان أو بغي في الأرض على حساب الآخرين.

الإسلام فكرة، أي أن الإسلام فكرة توجب على معتنقها أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلا.

الإسلام فكرة بمعنى أنه المنهج الذي يتناول بالتنظيم كل مظاهر الحياة الإنسانية – كما أوضحنا –وهذه الفكرة يجب أن تبلغ للناس في كل زمان ومكان، ومعنى هذا أن توظيف طاقات الأفراد المصاحبةللفكرة من أجل بلوغ هذا الهدف يكون توظيفا وفق ما شرع الله وأوحى إلى خاتم أنبيائه r.

"كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء"

الإسلام عقيدة صادقة، وأساس العقيدة الإسلامية الإيمان بوجود الله وتوحيده وعدم الشرك به، والإيمان بأسمائه وصفاته، ويتفرع عن ذلك الإيمان: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والإيمان باليومالآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره.

والإسلام عبادة صحيحة بمعنى أنه يقوم على عبادة الله وحده لا شريك له وفق ما شرع لرسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، والعبادة كما عرفها الإمام ابن تيميه رحمه الله هي "كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".

وهكذا فكما أن الإسلام عقيدة صادقة وعبادة صحيحة فهو دولة ووطن، أو حكومة وأمة وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة، أوجيش وفكرة، ذلك كله سواء بسواء، فإنه الإسلام الذي جاء لينظم كل شئون الحياة الإنسانية.