أبرز المتطلبات التي يحتاجها الدعاة في عملية الاستيعاب

ثامناً: الكرم والإنفاق على الناس

ومن أبرز الشروط اللازمة لنجاح الداعية في دعوته والتي تمكنه من اجتذاب الناس واستيعابهم هي كرمه وإنفاقه على الناس ...

فالكرم والسخاء والعطاء دليل أكيد على كرم وسخاء وعطاء نفس الإنسان فيما البخل والحرص والشح دليل على بخل النفس وحرصها وشحها ...

في كثير من الأحيان يجد الداعية نفسه أمام مشكلات وقضايا لا حل لها بالإنفاق وبذل المال فإن هو بخل قد يخسر فرصاً لا تفوت بل قد يتسبب بإحراجات وإساءات بالغة للدعوة نفسها ...

أعرف دعاة المال عندهم له شأن كبير وحرصهم عليه يؤدى إلى خسارة كثير من الطاقات كان يمكن أن تكون خيّرة ومعطاءة فيما لو قوبلت بالسماح والكرم والعطاء .

أنا أفهم أنه في سبيل الهداية وعمل الدعوة كل شيء يجب أن يرخص ذلك أن القيمة الأساسية هي للإنسان الذي سخر الله له ما في السموات وما في الأرض والمال هو أحد هذه الأسباب، ويجب أن يوضع في خدمة الهداية والدعوة وليس العكس ..

- إن إكرام الضيف في الإسلام واجب .. ولقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القيام به فقال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه .. الحديث )) وهل يتحقق الإكرام من غير إنفاق ومن سخاء نفس ويد ؟

إن السخاء الذي جبلت عليه قلوب الرعيل الأول من صحابه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جعلهم أئمة مهتدين ..

فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود .. فقال : من يضيف هذا الليلة رحمه الله ؟ فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله .. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء ؟ قالت : إلا قوت صبياني .. قال : فعلليهم بشيء فإذا أرادوا العشاء فنوميهم فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل .. قال : فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين .. فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((الملائكة تصلى على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة )) وقوله :(( الخير أسرع إلى البيت الذي يؤكل فيه من الشفرة إلى سنام البعير )).

وإن المهاداة بين المسلمين من خلق الإسلام ومن الفعال التي حض عليها الرسول صلى الله عليه وسلم .. حيث قال :(( تهادوا تحابوا )). والهدية يهديها الأخ لأخيه هي رسول خير، ومظهر حب، ووسيلة قربى، ومبعث أنس، تقرب البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس، ومن أولى من الداعية بذلك ومن أحوج منه إلى ذلك ؟ ولكن تحقيق ذلك يحتاج إلى بذل وإنفاق وكرم ..

-  ثم أن الفضائل كلها التي أمر الإسلام بها تحتاج للقيام بها إلى الجود والكرم ويصعب أن يتحقق في غير الجواد الكريم فالإنفاق على أصحاب الحاجة من الفقراء والمساكين وكفالة الأيتام والإيثار وإيفاء الكيل والمواساة والأخوة وحق الجار وإصلاح ذات البين غيره كلها صفات تتعارض والبخل ولا يمكن أن يتحلى بها البخلاء ..

من هنا جاءت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تندد بالبخل والبخلاء وتحض على الكرم وتشيد بالكرماء ..

فمن قوله تعالى في البخل :

{ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون بما بخلوا يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعلمون خبير }

{ وأحضرت الأنفس الشح }

{ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }

{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً }

{ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا }

وفي وصفه تعالى للمؤمنين :

{ الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار }

{والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم }

{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً }

{ ومما رزقناهم ينفقون } وردت في عشرات الآيات في سياق وصف المؤمنين .

وفي أمره تعالى بالإنفاق :

وردت عشرات الآيات بمختلف الصيغ ..

{ أنفقوا من طيبات ما رزقناكم } { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } {أنفقوا مما رزقكم الله } {قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً } { وأنفقوا خيراً لأنفسكم } { وأنفقوا في سبيل الله } { لينفق ذو سعة من سعته } { وما لكم ألا تنفقوا } .

ومن قوله صلى الله عليه وسلم في البخل :

(( ما محق الإسلام محق الشح شيء))

((شر ما في الرجل : شح هالع ، وجبن خالع ))

((لا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبداً ))

((خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق )).

((السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد عن النار .. والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل )).

((ألا إن كل جواد في الجنة حتم على الله وأنا به كفيل ((ألا وإن كل بخيل في النار حتم على الله وأنا به كفيل .. قالوا : يا رسول الله من الجواد ومن البخيل ؟ قال: الجواد من جاد بحقوق الله عز وجل من ماله . والبخيل من منع حقوق الله بخل على ربه .. وليس الجواد من أخذ حراماً وأنفق إسرافاً )).

((السخاء خلق الله الأعظم )).

((إن الله استخلص هذا الدين لنفسه فلا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق ألا فزينوا دينكم بهما)).

(( أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا)) .

منقول بتصرف من كتاب "الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية " للدكتور فتحي يكن رحمه الله .