أن يصلح نفسه ويدعو غيره:

الواجب على رجل العقيدة على طريق الدعوة أن يصلح نفسه؛ ليكون قدوة عملية حسنة، متمثلاً كل ما يدعو إليه الإسلام من فضائل، بدءًا بعقيدة التوحيد السليمة، والعبادة الصحيحة، والأخلاق المتينة، والفكر المثقف، والتنظيم في شئونه، والحرص على وقته.

ولكي يكتسب هذه الصفات لابد له من الجهد الذاتي ثم ما تعاونه الجماعة به من وسائل وأنشطة لإصلاح نفسه، وأساس إصلاح النفس العقيدة السليمة والإيمان القوي، فأي إصلاح على غير أساس من عقيدة الإسلام لا يُرجى منه خير: ﴿َومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران:85).

والإيمان القوي هو الذي يقاوم الغرائز السيئة في النفس والتي إذا لم تهذب انحرفت بصاحبها وأوردته المهالك، وصدق الشاعر:
                       وَالنَّفْسُ كَالطِّفْل إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى        حُبِّ الرِّضَاعِ وَإِنْ َتفْطَمْهُ يَنْفَطِمِ
والإسلام يهذب الغرائز، ويرسم لها الطريق الحلال المشروع، ولا يقضي عليها.
والشيطان يسعى جاهدًا للإغواء والفتنة، ولا يكل ولا يمل؛ فعلى المسلم أن يكون يقظًا منتبهًا في كل أوقاته يعرف طريق الهداية فيتبعه، وطريق الغواية فيعتزله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام:153).

والإيمان القوى ينير الطريق ويوضح الصراط المستقيم والطريق المنحرف، كما أن الإيمان القوي يعين صاحبه على الالتزام بالطريق الصحيح، ويحميه من الانحراف، ولابد من تجديد الإيمان وتقويته، لابد من الزاد على الطريق، وخير الزاد التقوى، فعلى رجل العقيدة أن يتعرف على مصادر الزاد لينهل منها ويتزود ولعل كتاب (زاد على الطريق) يعين على ذلك.
وعلى رجل العقيدة أن يعوِّد نفسه- أي يلزمها- بأحسن ما يسمع وما يقرأ بالتطبيق العملي. ونسأل الله أن يجعلنا ممن ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ (الزمر:3).

*ومن الجهد الذاتي في إصلاح النفس: حسن أداء العبادات من صلاة أو صوم أو زكاة أو حج، وأن يعيش هذه العبادات بقلبه لا بجسده فقط، فلكل منها آثارها التربوية التي تصلح من يؤديها على وجهها الصحيح ويعيش أسرارها لا ظاهرها فقط.

على رجل العقيدة أن يتمثل الأخلاق الإسلامية الفاضلة بأن يكون قدوة صالحة، مقبولاً عند الله وعند الناس، خاصة وأن كثيرًا من المسلمين قد أهملواْ هذا الجانب وانتشرت بينهم بعض الأخلاق السيئة التي لا يقرها الإسلام، فنحن في حاجة إلى إبراز الفرد المسلم القدوة، رجلاً كان أو امرأةً، خاصةً وأن هذا الفرد هو العنصر المشترك في باقي مراحل طريق الدعوة من البيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة الإسلامية، فالخلافة الإسلامية.

لابد لرجل العقيدة من مثل هذا الجهد الذاتي لإصلاح نفسه: مثل قيام الليل، والذكر، وتلاوة القرآن وتدبره، وحفظ ما يستطيع، وكذا أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأن يقرأ ليتفقه في هذا الدين ليعينه ذلك أيضًا على دعوة الغير.
وليعلم رجل العقيدة على طريق الدعوة أنه بقدر اهتمامه بإصلاح نفسه بقدر ما يستطيع أن يواصل السير على الطريق دون قعود أو انحراف، والعكس صحيح، خاصةً وقد أخبرنا الله تعالى ذلك بقوله: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت:6). وقال لنا الإمام البنا: "إن لم تكونواْ بالدعوة فلن تكونواْ بغيرها وهي إن لم تكن بكم فستكون بغيركم، وإن تتولواْ يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونواْ أمثالكم"، فليحرص كل أخ ألا يحرم خير مواصلة السير مع الجماعة، وذلك باهتمامه بإعداد نفسه وإصلاحها.

وعلى رجل العقيدة أن يدعوَ غيره:
لو نظرنا إلى الساحة الإسلامية لوجدنا كثيرًا من المسلمين لا يقدِّرون معنى انتمائهم للإسلام ومتطلبات هذا الانتماء منهم. فربما وجدنا الكثيرين منهم لا يفهمون إسلامهم الفهم الصحيح الشامل الخالي من البدع والخرافات والانحرافات، فهؤلاء يحتاجون إلى من يدعونهم ويعرّفونهم ما يجب أن يكون عليه فهمهم.

ثم إننا سنجد الكثيرين الذين لا يعملون أو يطبقون ما يطلبه منهم الإسلام، من العقيدة السليمة، والعبادة الصحيحة، والأخلاق الإسلامية وغير ذلك.

ثم إن هناك قضيةً وواجبًا، على كل مسلم ومسلمة، تفرضه طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعد سقوط الدولة والخلافة، هذا الواجب هو ضرورة العمل لإقامة الدولة والخلافة من جديد على أساس سليم من الدين.

فلا بد من دعوة المسلمين للقيام بهذا الواجب الذي لو تقاعدواْ عنه فإنهم آثمون، حيث إنه لا يمكن أن يبقى المسلمون بدون دولة تجمعهم وتحميهم، ويمكنواْ للدين عن طريقها: ﴿حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال:39)، ولا شك أن دعوة المسلمين للمشاركة في أداء هذا الواجب، الذي لا يمكن أن يتحقق فرديًا، ولكن لابد من العمل الجماعي المنظم، وهو يحتاج إلى جهد ومشقة وتخطيط وصبر وحكمة، خاصةً وأن العاملين في هذا المجال يتعرضون إلى العنت والإيذاء من بعض النظم الحاكمة؛ مما يجعل هذه المرحلة فيها بعض المتاعب والمشاق.

ولكن إحياء القلوب بالإيمان أولاً، ثم الإشعار بأن هذا واجب ديني ثانيًا، ثم الترغيب في الأجر والثواب ثالثًا يمكن أن يَكسب القلوب ويجعلها تستجيب لهذا النداء وتتهيأ لتحمل ما قد تلاقي من عنت وإيذاء، مقتدين برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الذين تعرضواْ للتعذيب بل والقتل تحت التعذيب، ولم تلِن لهم قناة، ولكن صبرواْ وثبتواْ حتى أيدهم الله بنصره.

والله تعالى يرغبنا في الدعوة إلى الله وأنها شرف عظيم بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت:33).
والرسول- صلى الله عليه وسلم- يرغِّبُنا أيضًا في الدعوة إلى الله فيقول: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمُرِ النَّعم" (البخاري ومسلم).
وقد تدعو إنسانًا فيهديه الله على يديك، ويكون في قدر الله أن يجري على يديه خيرًا كثيرًا للإسلام والمسلمين، فيكون لك مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء.
قد يحجم البعض عن دعوة غيره خشية الخطأ أو التلعثم وهذا عذر غير مقبول خاصة من رجل العقيدة على طريق الدعوة، وإني أنصح بالتزام الطريقة التالية، التي من شأنها أن تجعل الأخ المسلم (داعية من منزله) دون التخرج من معهد ديني:
*المفروض أن الأخ المسلم يطَّلع ويقرأ الكتب للتعرف على أمور دينه وفقه دعوته، فأقول كلما مر أثناء قراءته بمعنى جيد وتأثَّر به عليه أن يضَعَ علامةً أمامه بالقلم، وبعد انتهائه من قراءة الكتاب يسجِّل هذه المعاني المهمة التي أشار إليها في مجلد جيد فيسجل المعاني التي تأثر بها في الكتاب في بضع ورقات في هذا المجلد؛ ليسترجعها في دقائق كلما أراد؛ لأنه لن يستطيع أن يعيَها في الذاكرة دون أن تتعرض للنسيان.

*والخطوة التالية هي أن يبدأ في ممارسة الدعوة بأن يجتهد في استيعاب معنى من تلك المعاني، ثم ينقله بلسانه إلى أحد إخوانه، ثم مع أخٍ آخر؛ حتى يطْمئن إلى أنه صار يمكنه نقله كاملاً ودون تلعثم، ثم ينتهز فرصة جمع قليل من إخوانه ويذكُره لهم؛ حتى تزول من نفسه هيبة الجمع بعد أن أتقن ذكره فرديًا.
*والخطوة الثالثة أن يكرر ذلك في معنىً ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ، وهكذا يجد نفسه بعد قليل يستطيع أن يحدث جمعًا كبيرًا في عدة معان دون خطأ أو تلعثم، وبذلك يصبح داعيةً مؤثرًا في غيره، ومن أهم مميزات الداعي إلى الله أن يلزم نفسه بما يدعو غيره إليه، وألا يخالفه بل يكون قدوة حسنة وحتى لا يتعرض إلى مقت الله وغضبه عليه لمن يقول ما لا يفعل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصف:2،3).

*وعلى من يدعو غيره ألا يداخله الغرور حينما يجد تجاوبًا ممن يدعوهم، بل يُرجع الفضل في ذلك إلى الله.

*كما لا يجب أن يداخله اليأس إذا لم يجد التجاوب المأمول، فلعل قلة صادقة تستجيب له، خير من كثرة تكون استجابتهم سطحية أو وقتية.

*ومن حكمة الداعي إلى الله أن يخاطب الناس على قدر عقولهم. وأن يمسَّ الواقع الذي يشغلهم، وأن يقدم الحل الإسلامي لهم، فهذا أدعى إلى التجاوب.

 

منقول بتصرف من كتاب " مقومات رجل العقيدة " للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.