ونكمل هنا صور الإنحراف عن طريق هذه الجماعة المباركة :

5 – إثارة الخلاف والفرقة :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل إثارة الخلاف والفرقة داخل الصف بما يساعد الشيطان أن يجد مجالاً للتباغض والحواجز بين الإخوة وصرف الجهود والأوقات حول الخلافات وأسبابها وإزالة آثارها ، ويترتب علي ذلك تعطيل الإنتاج وربما الفشل والعياذ بالله قال تعالي :( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا  فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) .

 هكذا في طاعة الله والرسول الاستقامة والوحدة والنصر، وفي طاعة الشيطان التنازع والفشل . وإنما الجماعة تعني التجمع والوحدة وتألف القلوب وجعل الإمام الشهيد الأخوة ركنًا من أركان البيعة، وقال إن أدنى مراتبها سلامة الصدر وأعلاها الإيثار . كما قال الأخوة أخت الإيمان والتفرق أخو الكفر . فليكن كل أخ حارسًا أمينًا علي وحدة الصف، وأن يتحرز من كل كلمة أو تصرف يحدث خلافًا أو فرقة، كذلك البعد عن الغِيبة والنميمة وسوء الظن والقيل والقال وكل ما نهينا عنه في هذا الباب . وعلي المسئولين السهر علي حماية الصف من كل أسباب الخلاف ومعالجة ما يظهر في حينه ويحسم ففي ذلك الخير .

  6 – الانشقاق :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل الانشقاق والخروج علي الجماعة والتحلل من عهودها لأهواء شخصية كحب زعامة أو اعتداد بالرأي أو تعال أو غير ذلك . وحتى لو حدث خلاف في وجهات نظر فالواجب التزام النظم واللوائح التي تحسم الخلاف ، ولأن نجتمع علي غير الأصوب خير من أن نفترق . ففي ظل الوحدة يمكن بعد ذلك أن ننتقل من الصواب إلي الأصوب .

    وها نحن نري عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينفعل عند عقد صلح الحديبية. ولم يجرؤ أحد علي إبداء هذا الانفعال غير عمر بن الخطاب الذي لم تتحمل أعصابه في أول لحظة من لحظات إسلامه التخفي في دار الأرقم، واستأذن رسول الله بنفس الصيغة التي يتحدث بها اليوم ( ألسنا على الحق ؟ أليسوا على الباطل ؟ ففيم التخفي إذن ) ؟ وها هو يقول الآن . فَلِمَ نُعَطِي الدنية في ديننا ؟ وراح عمر ينتقل بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وأبي عبيدة رضي الله عنهم . والجواب يأتيه أن الوحي قد أمر بذلك .

    والحقيقة أنه في حالة الانشقاق والخروج عن الصف الخاسر فيها من ينشق والرابح هو الجماعة بتطهر صفها من مثل هذه النوعيات التي لا تحرص علي الوحدة، وكما قال سيد الخلق صلي الله عليه وسلم: " إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " . ولنعلم أن الجماعة ستسير بعون الله بنا أو بغيرنا، فنحن لا نشفق علي الصف، ولكن نشفق علي أنفسنا ومن نحب أن نحرم بركة الجماعة وخيرها وكان الإمام البنا يقول لنا: ( إن لم تكونوا بها – أي الدعوة – فلن تكونوا بغيرها ، وهي إن لم تكن بكم فستكون بغيركم، وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .

  7 – عدم الوفاء بأركان البيعة :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل عدم الوفاء بأركان البيعة أو ببعضها أثناء السير على طريق الدعوة . فالإمام البنا حينما حدد أركان البيعة وجعلها عشرا ولم يقتصر على ثمانية أو تسعة، كان مقتنعًا كل الاقتناع بأهميتها جميعا ولزوم توفرها في كل أخ يريد أن يأخذ مكانه في الصف ويسد ثغرة ويتحمل مسئولية؛ لأن عدم توافر أي ركن منها في فرد يعتبر نقصًا، ويمكن أن يؤتي من قبل هذا النقص، وتؤتي الجماعة من قبله . لهذا كان عدم الوفاء بأحد أو بعض أركان البيعة انحرافًا عن الأصل يعرض الفرد والجماعة إلى أخطار ومتاعب فلنحرص على الوفاء والالتزام بكل أركان البيعة . ثم إن الجماعة لا تكره أحدًا علي الانتظام في صفوفها ، ولكن من ارتضي ذلك فعليه أن يلزم نفسه بشروطها وعهودها . والبيعة في الحقيقة مع الله فلا يفرط فيها ولا ينكث في أي ركن من أركانها( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) .  

  8 – الاستعلاء علي الغير :

    ومن صور الانحراف عن هذا الأصل: أن يستعلي أحد باسم جماعة الإخوان على غيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى ، فلا يقول أحد إن جماعة الإخوان هي جماعة المسلمين ولكنها جماعة من المسلمين تدعو المسلمين جميعًا للعمل للإسلام وإقامة دولة الإسلام . ولا نريد أن نكسب عداوة أي من الجماعات الإسلامية، ولا نوجد أو نساعد على وجود احتكاكات أو مهاترات بيننا وبين أي أفراد أو جماعات أخري . فَمِمَّا التزم به الإخوان من أول يوم عدم تجريح الأشخاص والهيئات والتزام أدب الإسلام، ونحب الجميع حتى المتحاملين علينا من المسلمين .

    ومن جميل ما قاله الإمام الشهيد في المؤتمر السادس حول هذا المعنى ( وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعًا علي اختلاف نزعاتها، فموقف حب وإخاء وتعاون وولاء ، نحبها ونعاونها ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ، ونوفق بين مختلف الفكر توفيقًا ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب . ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي أو خلاف مذهبي ، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه . ولقد وفقنا الله إلى خطة مثلي، إذا نتحرى الحق في أسلوب لين يستهوى القلوب وتطمئن إليه العقول ، ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب والفوارق الشكلية والحواجز النظرية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون، للدين عاملون، وفي سبيل الله مجاهدون ) . ( يراعي قوله إلا إخوان مسلمون ولم يقل إلا الإخوان المسلمون والفرق واضح ) .

 

منقول بتصرف من كتاب – طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .