كف عن الشر

اعلم أن القربات والمعاصي فعل وترك، فمن القربات ما هو فعل كأداء الصلاة وإيتاء الزكاة، ومنها ما هو ترك كالصيام وحفظ اللسان. والمعاصي كذلك منها ما هو فعل كالسرقة والغِيبة، ومنها ما هو ترك ككتمان الشهادة والتولى يوم الزحف، فاحرص فى رمضان على الابتعاد بالكلية عن ذنوب الفعل، والتزام قربات الترك.

اجعل صحيفتك ناصعة فى رمضان، شريفة من كل فعل دنيء، خالية من كل عمل يغضب الجبار، وذلك بالكف عن كل ما حرم الله، وكذلك الاجتهاد في ترك ما يكره، فإن الترك أيسر على النفوس من الفعل، لما فى الفعل من حركة وإعداد وجهد وبذل من مختلف أنواع البذل.

كن نقيًا قدر ما يمكنك فى رمضان، طهر باطنك من كل رجز، ونظف جوارحك من قذارات المعاصى، واغسل قلبك من أدران المخالفات، ارتق بروحك، وتطهر، وزكِ نفسك، وهيئها للعروج، فقد فرض الله الصوم على موسى لما قدر له تكليمه. فالصوم معراج المؤمنين، وقد بادر الله إليك الخير بما أذن لك من الصيام، فأتمم لنفسك حظها من القرب، وادفع بها إلى ألله، وخلصها من أثقال العصيان وحضيضه، اجعلها خفيفة شفافة رفرافة، فإن الله كريم، لا يبخل، غنىٌ، ذو فضل عظيم، ما تقرب إليه عبدٌ شبرًا إلا تقرب-سبحانه- إليه باعًا، وما تقرب إليه العبد باعًا إلا تقرب الله- سبحانه- إليه ذراعًا، وما أتى العبد ربه ماشيًا إلا لقيه الله سبحانه مهرولًا! فاجتهد أن يراك الله حريصًا على مرضاته، بعيدًا عن كل ما يغضبه

رمضان مختلف

إن رمضان ليس كغيره، ليست أيامه كالأيام، ولا لياليه كغيرها، فاحرص كل الحرص على أن يكون ليلك في رمضان طاهرًا غاية الطهارة، وكذلك يومك اجعله طاهرًا غاية الطهارة، استحضر نظر الله إليك، واستحضر نظره تنافسك مع غيرك من الناس فى الخيرات، واستحضر أنه سبحانه يختار عتقاءه يومًا بيوم. فكيف يختارك عتيقًا من النار وأنت تسعى إليها، وأنت تعصى!

قد تجد من المعوقات ما يمنعك من تحقيق بعض مستهدفات العبادة، ولكن ماذا يمنعك-في رمضان- أن تكون نقيًأ طاهرًا بعيدًا عن الذنوب والخطايا؟ إلا عجزك وغفلتك، فالأمر يسير على من يسره الله عليه، وقد يسره الله على كل صادق عزمٍ مقبلٍ على مولاه. لن يتركك الله لضعفك وشهواتك إذا علم منك صدق التوجه إليه، إنما يتعثر من لم يخلص، فأخلص نيتك وتوجهك لله، وأخلص دعاءك وإلحاحك على الله أن يرزقك اجتناب الذنوب والمعاصى، ويعينك على نفسك وشهواتك.

أنت أدرى الناس بنفسك {بل الإنسان على نفسه بصيرة} وأنت أدرى الناس بمواطن ضعفك، وأنت أدرى الناس بذنوبك، أنت أدرى الناس متى يغضب الله منك! ومتى تستحق غضبه! ومتى تكون على الخطر العظيم! كلنا ذلك الرجل. ولا يليق بمن يطلب جنة الله ورضوان الله، ويطلب الفوز فى رمضان، لا يليق بمن يطلب ذلك صدقٌا أن يرضى لنفسه أن يقيم على ذنوبه، لا يليق به أن يبارز الله بالمعاصى وهو يطلب منه أن يصطفيه على كثير من عباده! بل لا يُعقل ذلك فى منطق العقلاء.

حدد ما يجب عليك تركه، ولا تترك شيئًا من هذا الأمر بلا عزيمة ونية صادقة، حدد واعترف من أين يأتيك الخطر، من أين تحرم الخير، من أين تخسر العتق من الجنة والفوز المبين، أمن لسانك؟ أم من عينيك، أم من صحبةٍ، أو كسب حرام، أم ماذا؟ تعرف على ضعفك، وواجه نفسك، لا مجال للخديعة، إنك أنت الرابح هنا أو الخاسر، لا مكان للمجاملة، ولا وقت للالتفاف والمراء. كن رجلًا، صارح نفسك بعيوبها، قف على ثغراتك التى يلج منها إليك الشيطان، قرر أن تغلق على نفسك أبواب الجحيم، وقد جاءتك فرصتك فى رمضان.

إن رمضان فرصتك لترى الله من نفسك الرغبة فيما عنده، لتريه عزمًا صادقًا وقوة إرادة، لترى الله حبك له، واجتهادك ليرضى عنك، وأقل ذلك منك أن تكف عما لا يحب، وألا تأتى أمرًا فيه غضبه، وأن تسكت عن كلمة لا يحبها، وتهجر من الأفعال ما حرمه وكرهه، فإنك إن لم تستطع فعل الكثير من الخيرات، ومنافسة العباد فى عباداتهم، وشغلتك مشاغلك، وقعد بك كسلك، وضعفت عن ذلك قوة الخير فيك، فلا أقل من هجر أصحاب الذنوب ومخالفتهم فى هذا الوقت الكريم، لا أقل من الكف والسكوت، لا أقل من إظهار العجز عن المعصية، أو تعجيز النفس عنها، إنه الحد الأدنى للسلامة، وما لا يجوز المساومة فيه. انظر واختر لنفسك.!