د. يوسف القرضاوي

من الضروري هنا أن نقرِّر: أن مفهوم كلمة "الدِّين" ليس هو مفهوم كلمة "الإسلام" كما يتصور ذلك كثير من الكتاب المعاصرين.

نعم يمكن أن يكونا شيئا واحدا، إذا أضفنا الدِّين إلى الإسلام أو إلى الله، فنقول "دين الإسلام" أو "دين الله" جاء بكذا أو كذا، أو هو الدِّين الذي بعث الله به خاتم رسله: محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل به آخر كتبه: القرآن الكريم.

ولكن إذا ذكرت كلمة "دين" مجردة من الإضافة أو الوصف، فهي أضيق مفهوما من كلمة الإسلام، لأن "الدِّين" في الحقيقة إنما هو جزء من الإسلام.

ومن هنا رأينا الأصوليين والفقهاء وعلماء المسلمين يُقَسِّمون المصالح التي جاءت شريعة الإسلام لتحقيقها في الحياة إلى: ضروريات وحاجيات وتحسينات. ويَحْصُرون الضروريات التي لا تقوم حياة الناس إلا بها في خمسة أشياء، وهي: الدِّين والنفس والنسل والعقل والمال. وأضاف بعضهم سادسة، وهي: العرض.

فالشريعة الإسلامية من مقاصدها الأساسية: أن تُقِيم "الدِّين" وتحافظ عليه، لأنه سر الوجود، وجوهر الحياة، ومن أجله خَلق الله الناس، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:56)، بل أعلن القرآن أن الله لم يخلق هذا العالم عُلْويَّه وسُفْليَّه، بسمواته وأرضه، إلا ليعرفه خَلقه، فيؤدوا إليه حقه، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} (الطلاق:12).

فالدِّين إذن هو ما يحدد العلاقة بين الله سبحانه وخَلقه من المكلَّفين، من حيث معرفته وتوحيده، والإيمان به إيمانا صحيحا بعيدا عن ضلالات الشرك، وأباطيل السحرة، وأوهام العوام. ومن حيث إفراده جل شأنه بالعبادة والاستعانة، فلا يُتوجه بالعبادة إلا إليه، ولا يستعان -خارج الأسباب المعتادة- إلا به سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5).

كلمة "الإسلام" أوسع من كلمة "الدين":

ومن هنا نرى كلمة "الإسلام" أوسع دائرة من كلمة "الدِّين"؛ ولهذا نقول: الإسلام دين ودنيا، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، خُلُق وقوة.

ورأينا من أدعية نبينا صلى الله عليه وسلم: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي"(1).

وهكذا رأينا: "الدِّين" يقابل بـ "الدنيا"، ورأينا الفقهاء يقولون عن بعض أعمال المكلَّفين: تجوز دينًا أو ديانة، ولا تجوز قضاء أو العكس.

ورأينا الكلام عن "الدِّين والسياسة"، أو "الدِّين والدولة" في كلام كثير من العلماء على تنوع اختصاصهم.

.....................

- من كتاب "الدين والسياسة" لفضيلة الشيخ.