فتحي السيد

في مقالنا السابق تحدثنا عن  بعض المفاتيح التي تأخذ بأيدينا نحو الأمل؛ لأن الأمل يقين بالله، متأصل في نفس المسلم، وقد نهي عن اليأس، ففي الأمل هداية للحيران، وبالأمل يعيش المظلوم، وفي الأمل يتعلق كل الطامحين لدخول جنة رب العالمين .

 ألا ترى أن كل السياسيين يجمعهم الأمل على قدر اختلافاتهم، الأمل جمع النقيضين، السياسي الفاسد يأمل استمرار الفساد، والسياسي الشريف يأمل الإصلاح.. نختلف في النية والوسيلة، ونتفق في أننا نحمل أملاً.. فلا يسلبك من كان هذا الأمل فهذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم صنع الأمل في أحلك الظروف يوم الأحزاب، وقلوب المؤمنين بلغت الحناجر، خوفاً وخشيه عندها تجلت صناعة الأمل فيبشرهم الحبيب صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والروم.. وهذا الناصر صلاح الدين الأيوبي صنع الأمل بعودة القدس منذ أن وحدت مصر والشام، وهدفه غايته أن يوصل منبر نور الدين إلى المسجد الأقصى فجسد قول الطغرائي:

أعلل النفس بالاّمال أرقبها     ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .
فالأمل إيمان راسخ، لا يتزعزع، وليس مجرد عاطفة عابرة. إنّ رسوخه أقوى من رسوخ الجبال، وأصلد من الفولاذ والحجر الصوان، وأنت الذي ترسخ الأمل في نفسك، إنّك بتربية نفسك تقوى الأمل لديك.

وأوّل درس في هذه التربية الذاتية هو الإيمان بأنّ المستقبل أفضل من الحاضر؛ فالشخص المتقائل ينظر باستبشار إلى المستقبل. إنّه يعتقد أنّ جوهر الشخصية موجود بداخلها وليس موجوداً بخارجها. فجوهر شخصيتك لا يتبدل بتبدل الخارج. فلا فقر ولا مرض ولا شيخوخة يمكن أن تؤثر في ذلك الجوهر.
ذكِّر نفسكَ بأهدافك وسعيك لها، وبرمج في نفسك دائماً روح التفاؤل؛ لأن الله علَّمَك حُسنَ الظنِّ به سبحانه وتعالى، وعلى ذلك يُكرمُك مرةً بعد أخرى، ودائماً تفاءل؛ لأن الله تعالى ألهمك الاستغفار، وهذا يعني أنه سيكرمك ويوفقك، فإما أن يُكفر ذنباً، وإما أن يرفعك درجةً، وإما أن يدَّخِرَ لك ذلك زاداً لآخرتك، أفلا يكون ذلك خيراً؟!. أما التشاؤم ، فيرتبطُ بكلٍ من ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب، واليأس، والانتحار، والقلق، والوسواس القهري، والعصبية، والعداوة، والشعور بالوحدة، وهبوط الروح المعنوية، وتناقص الدافعية للعمل والإنجاز، والشعور بالحزن، والانسحاب الاجتماعي، والفشل في حل المشكلات، والنظرة السلبية لصدمات الحياة.

ولهذا: أريدك عزيزي القارئ أن تكون دائماً متفائلاً مبتسماً للحياة مهما كانت الظروف.
إذا كنت تريدُ أن تصنعَ الأمل لابد أن تُحدد هدفك في هذه الحياة، وهي أهم خطوة على الإطلاق؛ لأن تحديد الهدف هو الذي يرسمُ مسرحيةَ الإنسان، ومهما بذلتَ من جهدٍ وتعبٍ ونصبٍ فإنك لن تُحققَ شيئاً ما لم تكن قد حددت هدفك بدقة. إذاً: أول خطوة تقوم بها هي أن تكتب هدفك أولاً.
أما الخطوة الثانية: فهي: إتقان التخطيط، ولا يمكن أن تُحقق هدفك بدون تخطيط، وهذه سنة الله تعالى في خلقه، والتي تسري على كل الأهداف، سواءً كانت صغيرةً أم كبيرة.
أما الخطوة الثالثة: أن تكون إنساناً إيجابياً، فقد تجد بعض الأشخاص يضعون أهدافهم، ويخططون لها، ولكن لا ينطلقون لتنفيذها؛ لأنهم يُعانون من قيد السلبية والتشاؤم، وهذا سيشل فاعليتهم، ويعجزهم عن التقدم نحو تحقيق الأهداف وتحقيق الأمل، وما أحلى أن تكون نظرتك لكل الأمور إيجابية!
أما الخطوة الرابعة: فلابد أن تكتسبَ المهارات والقدرات، ولا تقل: إنني لا أستطيع؛ فأنت إنسان محب، ولديك قابلية عالية على تعلم المهارات والقدرات، وتستطيع أن تكتسبها من الآخرين، كالانضمام إلى المراكز الشبابية، وحضور دوراتٍ في تنمية الذات، والمشاركة في العمل الجماعي، ولا يمكن للإنسان أن يُحقق أكبرَ قدرٍ من الفاعلية إلا بإتقانه فن الجماعية، ومهارة التعاون المبدع مع الآخرين.
ضرورة نشر الأمل

نشر الأمل هو البوابة الحقيقية للنجاح ولعبور المحطات الصعبة للأفراد والمجتمعات والأوطان، والتفاؤل هو طريق الإصلاح الدافع إلى التقدم، والأمل هو الضوء المنير الذي يهتدى الناس بضيائه وهم يسيرون في ظلام دامس، فيصلون إلى مبتغاهم وهدفهم. والأمل يسمو بالنفس الإنسانية ويدفعها إلى العمل والإنجاز والترقي دون انتظار الظروف المناسبة.

يحتاج نشر الأمل إلى مهارة الكلمة التي تنقل هذا الشعور الطيب إلى الناس فتنقلهم من اليأس والقنوط إلى التفاؤل والبسمة والتطلع إلى غد أفضل. ولا شك أن الأمل في الله تعالى هو الأصل الأول الذي يجب أن نثق فيه، ثم نركز على الأمل بوصفه طاقة إنسانية ذكية تجعل المستحيل ممكنًا، وقد رأينا كيف حول الأمل أشخاصًا كثرًا إلى طاقات جبارة بدرجة جعلتهم من المتميزين الذين حققوا النجاح.

ولذا نحتاج دومًا إلى أن ننشر الأمل، وأن نتقن صناعته وتسويقه لنسعد في حياتنا، فنحقق ما نصبو إليه.