قالت دراسة بعنوان "سد النهضة وتأثيره في الأمن القومي المصري" أعدها د. طارق عبود أن "جزءاً من نظرية الأمن الصهيوني القائمة على التفوق العسكري، واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية – خاصة مصر- وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية".
وأوضحت الدراسة التي نشرها موقع "المعهد المصري للدراسات" أن الكيان الصهيوني يحاول دائماً "استغلال الخلافات العربية مع بعض الدول الإفريقية وتعميقها، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل لمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا".
أدورا متعددة
واشارت الدراسة ضمن سرد متنوع إلى أن تل أبيب تستثمر "العداء التاريخي بين إثيوبيا والعرب، وإمكاناتها في التأثير في السياسات الإفريقية، إلى جانب قيامها بتشجيع الحركات الانفصالية في جنوب السودان، كما تسعى إلى خلق تيار مناهض للعرب، خاصة في المناطق المطلة على الساحل الشرقي في إفريقيا.
ولفتت إلى أن الصهاينة يولون "أهمية خاصة للقرن الإفريقي لاعتبارات عديدة منها وجود السودان باعتباره دولة إسلامية لها نشاط إسلامي ملموس في الدول الإفريقية".
وأكدت الدراسة أنه لإحكام السيطرة السياسية والاقتصادية الصهيونية يقوم الصهاينة بدعم أنظمة الحكم المتعاونة معها والموالية لها في القارة الإفريقية، وتوسيع دور حركات المعارضة في الدول غير الموالية لها لنشر حالة من عدم الاستقرار السياسي، ويتعامل الصهاينة مع الأشخاص الأفارقة ذوي النفوذ الذين لهم مستقبل سياسي فاعل في بلدانهم".

مرتكزات التحالف
وأوضحت الدراسة أن "التحالف الصهيوني – الإثيوبي" في مدخل البحر الأحمر، ومنابع نهر النيل، في الجانب الإثيوبي يرتكز إلى عوامل عديدة، في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة، والهزائم المتلاحقة التي مني بها الجيش الإثيوبي في إقليم التيجراي وفي أريتريا، ووقوع إثيوبيا تحت ضغط حاجتها إلى الأسلحة والدعم الصهيوني لمواجهة هذه الهزائم، وملء فراغ انسحاب القوات السوفيتية من إثيوبيا، في مقابل أن يحقق الكيان الصهيوني أهدافه البعيدة المدى، ومحاولة ابتزاز مصر، والضغط عليها لإعاقة أي دور يمكن أن تؤديه على صعيد القضية الفلسطينية وتطوراتها، وكذلك إعاقة أي دور مصري لحل قضية جنوب السودان والذي يعدّ من الأهداف الإثيوبية – الإسرائيلية المشتركة.”"

الدور الصهيوني في مياه النيل
وحول "تأجيج موضوع السد الإثيوبي بين القاهرة وأديس أبابا خلال الفترة 2011-2020"، سجلت الدراسة في هذا الإطار ملاحظات:

ملاحظة (1)
تؤكد مصادر مختلفة وجود تطابق كامل في مبنى وزارة المياه والكهرباء الإثيوبية يقيم فيه خبراء المياه الصهاينة، وهم يقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية، وأكد ذلك وزير الري والمياه المصري السابق محمد نصر علام، وكرره مسئولون سودانيون من ذوي العلاقة بالمؤسسات الخاصة بالري والمياه. كما أعاد ذكره نائب رئيس الأركان المصري محمد علي بلال في مايو 2013 متحدثاً عن وجود أعداد كبيرة من الصهاينة يعملون في السد الذي يتم بناؤه بتمويل غربي وأمريكي (البنك الدولي، وإيطاليا، وبنك الاستثمار الأوروبي)، وبنك التنمية الإفريقي، والصين، و"إسرائيل".

ملاحظة (2)
نشاط الشركات الصهيونية، لا سيّما تلك التي لها علاقة باحتياجات بناء سدّ النهضة الإثيوبي، حيث تحضر بشكل فاعل الشركات الصهيونية، مثل: شركة سوليل بونيه Solel Bonehللإنشاءات في كل من كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، إلى جانب شركة أغروتوبAgrotopللزراعة، وشركة كور CORE للإلكترونيات، وشركة موتورولا الإسرائيلية Motorola Israel للكهرباء والماء، وشركة كارمل Carmel للكيماويات. ورفع الكيان الصهيوني من حجم استثماراته في قطاع الطاقة سنة 2018 بقيمة 500 مليون دولار من خلال شركة جيجاوات جلوبال Gigawatt Global، وهي شركة لها علاقات مع عشر جامعات إثيوبية، وهناك عشر مؤسسات أخرى صهيونية تعمل في إثيوبيا، كما أن النشاط الصهيوني في إفريقيا، وخصوصاً في إثيوبيا، يستهدف التأثير على المصالح المصرية، وأبرزها حصة مصر من النيل من خلال الدعم الصهيوني لمشروع السد الإثيوبي.

ملاحظة (3)
يدرك الكيان الصهيوني أهمية إثيوبيا ليطل منها على المحيط الهندي والبحر الأحمر الذي تمر منه 20% من تجارة الصهاينة الخارجية، بالإضافة إلى الأطلال على منابع النيل، وتتعزز كل هذه الجوانب بالتعاون في التصنيع والتدريب العسكري. وتعد هذه العلاقات جزءاً من نشاط صهيوني متسارع في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، ففي زيارة نتنياهو سنة 2016، رافقه فيها ممثلون عن نحو خمسين شركة صهيونية، وأدت إلى توقيع اتفاقيات مع إثيوبيا (الزراعة، والسياحة، والاستثمار)، ومع كينيا (الصحة، والري، والزراعة، والهجرة).

ملاحظة (4)
التحريض الإعلامي والسياسي على مصر؛ فقد أشارت الصحف الصهيونية إلى أن السياسات المائية المصرية أضرت بالمصالح الإثيوبية، فقد ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل The Times of Israel في أحد مقالاتها إلى أن "عواقب هذه السياسات المصرية قد أضرت بشدة بإثيوبيا على مدى عقود، وإن إثيوبيا، الغنية بالمياه، مكبلة باتفاقيات ملزمة قانوناً بعدم استخدام مواردها المائية لتوفير الشراب لسكانها البالغ عددهم 90 مليون نسمة، أكبر من سكان مصر، وهو ما جعلها تعاني فترات طويلة من الجفاف والمجاعة."

تحذير

ووجهت الدراسة إلى أنه من أهم المؤشرات السلبية لهذا التعاون على الوطن العربي أنه يشكّل في تطوره تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري عبر سيطرة إثيوبيا على 85% من مياه نهر النيل المتدفقة إلى مصر، وإن كانت قدرة إثيوبيا على التحكم في تدفق كميات المياه المنحدرة من الهضبة الإثيوبية شبة منعدمة، بسبب نقص التمويل والخبرة الفنية، ونظراً إلى طبيعة انحدار الهضبة نفسها، إلا أنها تظل مصدر التهديد الرئيسي لحصة مصر من المياه، فإذا توفر طرف قادر وراغب في مساعدة إثيوبيا – كالكيان الصهيوني- على القيام ببعض المشروعات التي تؤثر في هذه الحصة ؛ فإنّ ذلك سيشكل تهديداً واضحاً للأمن القومي المصري في المستقبل، وزيادة في الضغط علي مصر وإمكاناتها إقليمياً ودولياً من هاتين الدولتين”.