حركات التحرر الوطني ومتغيرات السياسة الدولية

صعود قوى جديدة.

تُمثل القوي السياسية الصاعدة إلى ساحة السياسية الدولية، أهم العناصر فى تغيير نسق السياسة الدولية، إلى جانب عناصر آخري كطبيعة البنيان الدولى( أحادي-ثنائي-متعدد)، والمؤسسات الدولية التنظيمية والقانونية.

تشهد ساحة السياسة الدولية تغيرات كبيرة، إثر صعود قوى متنوعة الوزن الإستراتيجى، على سبيل المثال لا الحصر، الصين قوة كبرى، تركيا قوة متوسطة، قطر قوة محدودة، وبعض النظر عن اختلاف النظريات حول علاقة عدد القوى الفاعلة فى السياسة الدولية باستقرار النظام الدولي، إلا أن التنافس بين القوى الكبري يخلق المزيد من الفرص للقوي المتوسطة والمحدودة للمناورة والمساومة.

الوقائع المتتالية.

شهد العالم منذ مطلع هذا القرن عددا من الحوادث تؤكد الصعود المتسارع لوحدات متنوعة إلى السياسة الدولية، ومن المتوقع أن تشكل هذه الوقائع مع غيرها خطا رماديا بين طبيعة نسق السياسة الدولية القائم والنسق القادم الآخذ فى التشكل والتبلور.

مثّل نزاع القوى الدولية فى مناطق مختلفة، (ليبيا-سورية-افغانستان)، وفي ملفات مختلفة، (الأسلحة الإستراتيجية-الطاقة النووية-الأمن السيبراني)، حالات إثبات الهيمنة واحتكار الثروات وفرض الأيدولوجيات والتموقع لمستقبل مجهول وغير متوقع.

ويعد غزو العراق، والانسحاب الأمريكى من أفغانستان، والتدخل التركي فى ليبيا وأذربيجان، من أبرز الأحداث التي أثرت فى السياسة الدولية، وأثرت في طبيعة وأهداف حركة العمليات السياسية ودينامكيتها.

تنازع القوى واستقطاب الوحدات.

تحاول الوحدات الصاعدة التحصن بالمزيد من القوي الناعمة والصلبة، كما تتنافس فى استقطاب الوحدات الأصغر منها، بما فى ذلك حركات التحرر الوطني، ما يعزز قدرات الوحدات الصغرى على المساومة، والأمثلة تربو عن الذكر والحصر.

تزيد تحركات القوى الصاعدة من سيولة المشهد على مستوى السياسة الدولية، وتعزز من قدرات الوحدات الصغرى، ولاسيما حركات التحرر،  من الحركة والمناورة فى المشهد الداخلى لبلدانهم، فكما "يشكل البنيان الدولى أحد المؤثرات الضاغطة على السياسات الخارجية للوحدات الدولية الكائنة فيه"(1)، فإنها تؤثر أيضا على السياسة الداخلية لهذه الوحدات.

الفرص والنماذج

وحركات التحرر فى أنحاء العالم، شبهها المارشال ليوتي المعتمد الفرنسي فى المغرب "بصندوق رنان"(2)، فثورات الربيع العربي، وحركات التحرر من الاستعمار، وحركات مقاومة الرق والعنصرية، كانت تنطلق من فلسفة تحررية واحدة أو على الأقل متشابهة.

ويمكن لهذه الحركات أن تستفيد من الوضع الراهن فى السياسة الدولية، وتوثق من صلاتها بالمجتمعات، وتعيد شبكة اتصالاتها بالمؤسسات الحكومية المحلية والدولية، وتُعد حركة طالبان فى أفغانستان نموذجا حياً.

سوف يشكل سؤال الهوية إلحاحا إنسانيا خلال السنوات القليلة القادمة، وسيبني هذا التساؤل تفاعلا نشطا بين المجتمعات والمنظمات غير الحكومية الفاعلة فيه، "فى السنوات المقبلة، سيكون للبلدان والجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر قدرة على تسخير القدرات المادية، ودمجها مع العلاقات، ومركزية الشبكة، والمرونة، والتأثير الأكثر استدامة وذات مغزي على مستوى العالم"(3).

التحديات والتوصيات

تعاني معظم حركات التحرر من التمزق الداخلى، بفعل قوى دولية وعوامل اخرى، ما يستلزم سرعة ترتيب الصفوف ومداواة الجراح.

المسارات المختلفة لتحقيق هدف واحد، لا يعني الاختلاف، فحتي إن لم تتمكن حركات التحرر من الاندماج وتوحيد الجهود، فإنها تستطيع التعاون وتوزيع الأدوار، فالمهام ثقيلة ومتعددة.

لا يمنع البعد الجغرافى من التواصل ومد يد العون، فالعالم أصبح قرية صغيرة، وقوة التكنولوجيا وخطورة الأمن السيبراني يتجاوز كل الحدود.

القراءة الواقعية والديناميكية للمشهد، بعيدا عن الرغبات والأماني والتواكل، تؤهل للتموقع الجيد فى قادم الأيام، ومع أسوء الاحتمالات.

لن تتمكن حركات التحرر فى غالب الأحيان من السيطرة على الحكم كطالبان، ولكن اصطفافهم المستنير مع الوحدات الفاعلة فى السياسة الدولية، يوفر الكثير من الجهد والوقت.

 

 

 

هوامش

(1)تطور السياسة الدولية، د. محمد السيد سليم، 2002م.

(2)حاضر العالم الإسلامي، اشكيب ارسلان

(3)"الإتجاهات العالمية، عالم مثير للجدل2040"، تقرير مجلس الاستخبارات الوطنية الأمريكى مارس 2021