د. أشرف دوابه

شهدت نهاية الشهر الماضي خروج آخر جندي أمريكي من أفغانستان، بعد كفاح دام أكثر من 20 عاما من حركة طالبان الأفغانية، لتعلن سيطرتها على مقاليد الحكم في "إمارة أفغانستان الإسلامية". وقد تباينت رود الفعل تجاه الحركة ما بين التأييد والرفض والحذر، لا سيما في ظل تجربة حكم طالبان السابقة لأفغانستان.

وعلى رغم ذلك، فإن الواقع المنظور يكشف أن حركة طالبان خلّصت أرض أفغانستان من احتلال خارجي ساهم فيه بشكل مباشر الدول الكبار في العالم، في حرب ضروس انتهت بهزيمة هذا التحالف، وجعلت الرئيس الأمريكي بايدن يصرح بنفسه بأن أفغانستان مقبرة الغزاة ونهاية الإمبراطوريات، وأن هذه الحرب أنهكت الاقتصاد الأمريكي، حيث كلفت الخزانة الأمريكية 300 مليون دولار يوميا، بما يزيد عن تريليوني دولار خلال مدة الحرب حتى الانسحاب، فضلا عن ارتفاع نسبة الانتحار بين الجنود الأمريكان.

ولا شك في أن أفغانستان الآن مقبلة على معركة مهمة وهي معركة التنمية، فإذا كانت سياسة طالبان تغيرت نحو أعداء الأمس، فإن شعارها الاقتصادي يجب أن يتجه نحو تأليف القلوب بتحقيق التنمية في ظل ما تعانيه أفغانستان من ابتلاع الفقر لنسبة 90 في المئة من السكان، في ظل اقتصاد هش يعتمد على المساعدات، لا سيما وهي تمتلك من الموارد الطبيعية ما يمكنها من اجتياز الأزمات والارتفاع بمعيشة الناس.

إن أفغانستان تمتلك موارد طبيعية ضخمة من النحاس والرخام والكروم والزنك والرصاص والأحجار الكريمة والكوبلت، فضلا عن المواد التي تدخل في تصنيع معدات التكنولوجيا من هواتف جوالة وحواسيب محمولة وسيارات كهربائية، كالليثيوم، إضافة إلى النفط والغاز. وقد قدر تقرير حكومي في العام 2017م قيمة هذه الثروات بنحو ثلاثة تريليونات دولار.

وحتى تُحسن حركة طالبان الاستغلال الأمثل لهذه الثروات فلا بد لها أن تضع أولوياتها في تحقيق الأمن والاستقرار بروح الفريق - وليس بالاستئثار - فنتاج ذلك هو الثقة ومن ثم تحريك عجلة الاقتصاد، وجذب الاستثمارات سواء من رجال الأعمال الأفغان في الخارج أو من المستثمرين الأجانب، مع مراعاة أن يتم التعامل مع هؤلاء المستثمرين الأجانب؛ ليس وفقا لسياسة الأبواب المفتوحة على مصراعيها، بل وفقا لسياسة المصالح المتبادلة ومتطلبات التنمية، لا سيما في ظل تدني البنية التحتية، والحاجة إلى استثمارات فعالة تحقق تخصيصا أمثل للموارد البشرية والطبيعية. وفي هذا الإطار يمكن عمل شراكات استراتيجية مع تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا فضلا عن الصين؛ لا سيما وأن لها استثمارات داخل أفغانستان.

إن الإصلاح الاقتصادي والتنمية في أفغانستان مرهون بالإصلاح السياسي، واتجاه طالبان لتحكيم الشريعة الإسلامية هو أمر محمود، مع أهمية أن يتم هذا التطبيق وفق نصوص الشريعة وروحها، فالشريعة ليست حدودا تنفذ فقط، بل هي قبل كل ذلك بناء للإنسان وتوفير الحياة الطيبة الكريمة له، ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء.

فبناء الدولة الأفغانية ينبغي أن يكون ببناء البشر وحسن تعليمهم وتثقيفهم رجالا ونساء، فأول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، كما أن هناك نموذجا واضحا للفهم الشامل الكامل للإسلام في الحوار الذي دار بين الصحابي ربعي بن عامر ورستم قائد الفرس حينما سأله رستم: ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ فقال له: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلي عدالة الإسلام". وهو بذلك ذكر مقومات ثلاث: الحرية والتنمية والعدالة، فالتنمية لها جناحان هما الحرية والعدالة، ومن ثم فلا تنمية بغير حرية منضبطة بالعدل.

إن العالم في جله يتمني لطالبان السقوط، حتى بات افتعال المشاكل هو الأصل، وأصبحنا نرى من يغذي دعوات لما سموها "حقوق المرأة"، وهي دعوة حق يراد بها باطل، والأولى البحث عن حقوق الإنسان رجالا ونساء في معيشة طيبة، وهو نفسه الغرب الذي يصمت صمت القبور عن حقوق النساء في سوريا المعذبة وفي مصر التي تحولت لسجن كبير، وغيرهما من بلاد المسلمين.

وقد بدا السلوك العدواني للغرب لأي تعمير في تجنّيه المسبق على حركة طالبان واتهامها بالإرهاب وعدم فتح باب للتعاون معها، حتى عند خروج الأمريكان من مطار كابل دمروا ما يزيد على 70 في المائة من مؤسساته، بخسائر تقدر بما يزيد عن 25 مليون دولار.

ومن هنا.. يجب على طالبان أن تستفيد من قراءة الواقع المعاصر والبيئة الداخلية والخارجية من حولها، فضلا عن الاستفادة من سلبيات تجربتها السابقة في الحكم، فلا تجهد نفسها بمشاكل فرعية، وتضع هدفها في تحسين اقتصادها؛ بدءا من خدمات التعليم والصحة بصفة خاصة والبنية التحتية بصفة عامة، وفتح المجال لاستغلال الثروات في الداخل بالتصنيع، والاهتمام بالثروة الزراعية والحيوانية، وعلى قدر القصد والإرادة والعمل الأحسن تكون النتائج، وإن غدا لناظره قريب.

 

twitter.com/drdawaba