استغل أحد المتطرفين تصريحات قائد الانقلاب التي طالب خلالها المصريين بإعادة صياغة فهم معتقدهم الديني وأقام دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالب فيها بإلزام وزير الداخلية ومساعده لقطاع الأحوال المدنية بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، ضمنها الكثير من الأكاذيب والأباطيل، وكذلك النفاق والتطبيل لقائد الانقلاب، قائلاً فى دعواه : "إنه فى ظل ما تشهده مصر من وحدة صف غير مسبوقة .. آن الأوان للتخلص من كل ما لا ترتضيه الدولة، بل أحيانًا يكون لاستغلال بعض الأمور وبسوء نية في تقويض أركان الدولة، والتي من بينها بعض الأوراق الثبوتية التي تصدرها وزارة الداخلية والمتمثلة في بطاقة الرقم القومي، في ظل بلادنا مصر المحبوبة التي أصبحت تطبق حقوق الإنسان بمفهوم حقيقي وشامل عجزت الدول العظمى عن تطبيقه بفضل إرادة سياسية كانت ومنذ اللحظة الأولى لتوليها سدة الحكم أن يكون ولاؤها لكل المصريين دون تفريق بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، فى عهد الرئيس السيسي استردت مصر إرادتها بعد أن استلبتها جماعة غاشمة تستتر وراء الدين".

ويتضح لكل ذي عقل ومنطق أن هذه أقوال وادعاءات متهافتة كاذبة، لايسندها دليل؛ فمصر منذ الانقلاب العسكري الدموي الغاشم _ وبشهادة المنظمات الحقوقية الدولية _ تشهد انتكاسة بل انتكاسات فى مجال الحريات وحقوق الإنسان، ويكفي للتدليل على ذلك أن 31 دولة أصدرت بيانا مشتركًا أعربت فيه عن قلقها من انتهاك الحريات في مصر وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة .

وطالبت هذه الدول مصرَ بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، وأبرز الدول الموقعة على هذا البيان هي دول أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا .

ومن جهتها عبرت وزارة الداخلية المصرية الجمعة عن (شديد الاستغراب والاستهجان للبيان الصادر بحقها . فضلا عن أن الدستور المصري نص فى المادة الثانية على أن : الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) . وكأن هذه الدعوة المشبوهة تسعى لإلغاء هذا النص من الدستور لكن بطريقة متدرجة لاتثير حفيظة الأغلبية المسلمة . أما دعوى المتطرف المشبوهة فتحتوي على كثير من المغالطات ، لأن الوثائق ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات الاجتماعية؛ فمثلا : الزوجة يُكتب على بطاقتها متزوجة واسم الزوج، في حين أنه لا يتم كتابة اسم الزوجة على بطاقة الزوج ، لأن من حق الزوج حسب الشريعة الإسلامية الزواج بأكثر من امرأة . كما أن خانة البيانات ترتبط بمسائل الزواج والطلاق والمواريث وغيرها من الأمور الشرعية، فعلى سبيل المثال: فى ظل الدين الإسلامي يسمح بزواج المسلم بالمسيحية أو اليهودية، بينما لا يسمح بزواج المسلمة بغير المسلم. والبطاقة الشخصية يجب أن تحتوي على جميع بيانات الشخص الاسم والجنسية والحالة الاجتماعية والديانة ومحل الإقامة.. إلخ . وهذه البيانات لا علاقة لها بالتمييز الديني، وليس لها تأثير على الحقوق الشخصية لصاحب الوثيقة، كما أن الدعوة لإلغاء خياة الديانة تخفي وراءها دعوة مشبوهة وهى الدعوة لتعميم الزواج المدني في مصر ، وهو زواج شخصين من ديانات مختلفة، مثل زواج المسلمة من المسيحي ، وهو بلاشك مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية التى تحرم زواج المسلمة من غير المسلم .

أحد دعاة العلمانية "خالد منتصر" يرى أن ‏إلغاء خانة الديانة من البطاقة لايعني إلغاء الديانة من المجتمع أو سلبها من المواطن، معتبرًا أن شطبها هو تأكيد على مدنية الدولة، وانضمامها لطابور الحداثة والتحضر . وأن البطاقة بطاقة هوية ، والهوية وطن قبل أن تكون دينًا ، هويتي مصري وهي علاقة عامة مع المجتمع ، ديانتي مسلم وهي علاقة خاصة مع الله.” وهذا حق أريد به باطل ، ويتأتى من شعارات القومية الزائفة "الدين لله والوطن للجميع"، ولكن الحقيقة هي أن الدين لله والوطن لله والكون كله لله، و"إن الدين عند الله الإسلام" قبل الأرض و الأوطان وقبل الخطوط الحمراء الوهمية على خرائط سايكس بيكو !! .

وتقول إحدى الممثلات: (البطاقة الشخصية عشان نعرف اسم حضرتك وميلادك لأي مصالح حكومية أو أي ظرف أمني مالهوش علاقة بديانة حضرتك، الديانة تخصك انت لوحدك ما تخصش شخص آخر ، الديانة وعلاقة الإنسان بربه ومعتقداته أمور شخصية جدا ومش عامة ، معرفتك بديانة الآخر لا هتزود ولا هتنقص .. مطلوب منك تتعامل بإنسانية فقط مع أي شخص أيًّا كانت ديانته) وهنا من حقنا أن نطرح سؤالًا وجيهًا على أدعياء التحضر والمدنية هؤلاء وغيرهم : هل سيكون هناك إجراء من الدولة مع المسيحيين الذين يضعون وشم الصليب على أيديهم باعتبار ذلك من صور التعصب والتمييز؟؟

وأخيرًا وليس آخرًا .. من الواضح أن الموضوع برمته ما هو إلا حلْقة من حلقات الإلهاء للشعب الذي تنتهجه أجهزة المخابرات والشئون المعنوية للعسكر لصرف الأنظار عن مشاكل الوطن الحقيقية كالصحة والتعليم والاقتصاد المنهار وانتهاكات حقوق الإنسان وتكميم الأفواه؛ لذا يتم القفز فوق كل هذه المشاكل إلى قضايا الحجاب وخانة الديانة فى البطاقة والأحوال الشخصية وتفاهات المشخصاتية والفتاوى الشاذة وأخبار الكرة وغيرها من الأمور التافهة، ولك الله يا مصر .