إن الدين المعاملة، ونيبنا الكريم صلى الله عليه وسلم  ترك لنا النموذج الأمثل والمثل الأعلى في هذا الأمر، وخاصة في تعامله مع أهله الذين هم في الدائرة الأولى من معاملاته .

والذي يقرأ في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجد عجباً من حسن تعامله، وجمال أسلوبه مع كافة طبقات المجتمع على سبيل العموم، ومع أهل بيته على سبيل الخصوص، ويكفي مصداقاً لذلك ثناء ربه عليه بقولـه:

 ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ, عَظِيمٍ,))  وتقول عائشة- رضي الله عنها-: ((إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ القُرآنَ).

ولعلي أعرض لكم نماذج من معاملة النبي- صلى الله عليه وسلم - مع أهله، من خلال المطالب التالية:

 تعامله - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته:

لقد كانت حياته- صلى الله عليه وسلم - في بيته وبين نسائه المثلى الأعلى في المودة، والموادعة، وترك الكلفة، وبذل المعونة، واجتناب هجر الكلام ومره، وهو الذي يقول: ((خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ وَأَنَا خَيرُكُم لأَهلِي)).

ومن خلال النصوص الشرعية يمكن أن نستقرئ ما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - في بيته مع زوجاته:

عَن الأسوَدِ قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: ((مَا كَانَ النَّبِيٌّ- صلى الله عليه وسلم - يَصنَعُ فِي بَيتِهِ؟ قَالَت: (كَانَ يَكُونُ فِي مِهنَةِ أَهلِهِ ـ تَعنِي خِدمَةَ أَهلِهِ ـ فَإِذَا حَضَرَت الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ)) .

عن عُروَةَ عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَت مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - يَعمَلُ فِي بَيتِهِ؟ قَالَت: ((كَانَ يَخِيطُ ثَوبَهُ، وَيَخصِفُ نَعلَهُ، وَيَعمَلُ مَا يَعمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِم)) .

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: ((كُنتُ أَشرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ فَيَشرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ العَرقَ ـ وهو العظم الذي عليه اللحم ـ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوضِعِ فِيَّ )) .

وكان - صلى الله عليه وسلم - من التبسط ورفع الكلفة إلى حدِّ أن يستبق هو وامرأته كما جاء عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قَالَت: خَرَجتُ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - فِي بَعضِ أَسفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَم أَحمِل اللَّحمَ، وَلَم أَبدُن، فَقَالَ: ((لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا)) فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ لِي: ((تَعَالَي حَتَّى أُسَابِقَكِ))، فَسَابَقتُهُ فَسَبَقتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلتُ اللَّحمَ وَبَدُنتُ وَنَسِيتُ، خَرَجتُ مَعَهُ فِي بَعضِ أَسفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: (تَقَدَّمُوا) فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ: (تَعَالَي حَتَّى أُسَابِقَكِ) فَسَابَقتُهُ فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: (هَذِهِ بِتِلكَ) .

بل أحيانا ترفع عائشة - رضي الله عنها - صوتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعَنِ النٌّعمَانِ بنِ بَشِيرٍ, قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكرٍ, يَستَأذِنُ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرفَعِينَ صَوتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَحَالَ النَّبِيٌّ- صلى الله عليه وسلم - بَينَهُ وَبَينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكرٍ, جَعَلَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: ((أَلا تَرَينَ أَنِّي قَد حُلتُ بَينَ الرَّجُلِ وَبَينَكِ؟)).

قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكرٍ, فَاستَأذَنَ عَلَيهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ,: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشرِكَانِي فِي سِلمِكُمَا، كَمَا أَشرَكتُمَانِي فِي حَربِكُمَا)) .

وقال أنس - رضي الله عنه - في حديثه عن صفية - رضي الله عنها -: ((فَرَأَيتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ, ثُمَّ يَجلِسُ عِندَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجلَهَا عَلَى رُكبَتِهِ حَتَّى تَركَبَ))

 تعامله - صلى الله عليه وسلم - مع بناته:

فقد كان قمة في الروعة والجمال، لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يرحب بهن، تقول عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا -: أَقبَلَت فَاطِمَةُ تَمشِي كَأَنَّ مِشيَتَهَا مَشيُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيٌّ- صلى الله عليه وسلم -: ((مَرحَبًا بِابنَتِي ثُمَّ أَجلَسَهَا عَن يَمِينِهِ أَو عَن شِمَالِهِ)) .

وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا زوج البنت يتخلى عنها، بل كان يتعهدها بالنصح والإرشاد، والتذكير والزيارة، فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أَنَّ فَاطِمَةَ - عليها السلام - اشتَكَت مَا تَلقَى مِن الرَّحَى مِمَّا تَطحَنُ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِسَبيٍ,، فَأَتَتهُ تَسأَلُهُ خَادِمًا فَلَم تُوَافِقهُ، فَذَكَرَت لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيٌّ- صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَت ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا وَقَد دَخَلنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبنَا لِنَقُومَ، فَقَالَ: ((عَلَى مَكَانِكُمَا، حَتَّى وَجَدتُ بَردَ قَدَمَيهِ عَلَى صَدرِي، فَقَالَ: أَلا أَدُلٌّكُمَا عَلَى خَيرٍ, مِمَّا سَأَلتُمَاهُ؟ إِذَا أَخَذتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَربَعًا وَثَلاثِينَ، وَاحمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلتُمَاهُ)) .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يحرص على ملاطفة أزواج بناته والصلح بينهما إذا حصل خلاف، فما كان يترك بناته وكأن حملاً ثقيلاً قد زال عنه، فيتركها لزوجها دون متابعة أو مناصحة أو ملاطفة للزوج، حتى يحسن معاملة ابنته، فمثلاً حصل ذات مرة خلاف بين فاطمة - رضي الله عنها - وعلي بن أبي طالب، فجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسأل عن علي فقالت فاطمة: كَانَ بَينِي وَبَينَهُ شَيءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَم يَقِل عِندِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: ((لِإِنسَانٍ .انظُر أَينَ هُوَ؟ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ فِي المَسجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُضطَجِعٌ قَد سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَن شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - يَمسَحُهُ عَنهُ وَيَقُولُ: قُم أَبَا تُرَابٍ,، قُم أَبَا تُرَابٍ)) .

انظر إلى ملاطفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوج ابنته من أجل كسب وده وملاطفته، فهل يفعل الآباء ذلك مع أزواج بناتهم؟!!

بل كان - صلى الله عليه وسلم - يغضب إذا أوذيت أو تعرض لها أحد بسوء، كما جاء في صحيح البخاري أَنَّ المِسوَرَ بنَ مَخرَمَةَ قَالَ إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنتَ أَبِي جَهلٍ, فَسَمِعَت بِذَلِكَ فَاطِمَةُ فَأَتَت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - فَقَالَت: يَزعُمُ قَومُكَ أَنَّكَ لا تَغضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيُّ نَاكِحٌ بِنتَ أَبِي جَهلٍ,، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: ((أَمَّا بَعدُ: أَنكَحتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكرَهُ أَن يَسُوءَهَا وَاللَّهِ لا تَجتَمِعُ بِنتُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - وَبِنتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِندَ رَجُلٍ, وَاحِدٍ, فَتَرَكَ عَلِيُّ الخِطبَةَ)) .

هكذا كان - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع بناته، فأين نحن من هذه الأخلاق الكريمة؟ والصفات الحميدة.

 معاملته - صلى الله عليه وسلم - مع أخته :

جاء في كتب السير أن أخته- صلى الله عليه وسلم - جاءته، وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، وهي لا تعرفه وهو لا يعرفها، فقد مرت سنوات، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاعة وهو تحت سدرة، والناس بسيوفهم بين يديه وهو يوزع الغنائم، فتستأذن فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث، أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية.

فيخبرون الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتترقرق الدموع في عينيه، ويقوم لها ليلقاها في الطريق، ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبُعد الوحشة والغربة، ويُجلسها مكانه ويظللها من الشمس .

تصوروا رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية، يظلل هذه العجوز من الشمس وهي أخته من الرضاع!! فأين الذين قطعوا أخواتهم وعماتهم وخالاتهم، بل حتى الميراث الذي أحله الله لهن حرموه عليهن؟!!

فيسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخته عن أحوالهم ثم يقول لها: اختاري الحياة عندي محببة مكرمة أو تريدين أهلك؟ فتقول: أريد أهلي، فيعطيها المال ليعلم الناس صلة الأرحام.

وكل ما سبق غيض من فيض في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعاملاته مع أهله فيجب علينا التأسي والاقتداء والقيام بما كان يقوم به من الملاطفه ولين الجانب والتفقد والسؤال عن الأحوال ولو بالاتصال ، التواضع وحسن العشرة والوفاء والمودة والألفة وترك الكلفة وبذل المعونة كل ذلك وأكثر يجب أن يتحلى به المسلم .