أكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي محيي الدين القره داغي، أن صيام شهر رمضان فريضة فردية لا تتأثر بفيروس كورونا، إلا من أصابه، فيجب أن يحرص المسلمون والمسلمات عليه إلا من كان معذورًا؛ حيث أجمعت الأمة على أن صيام رمضان ركن من أهم أركان الإسلام الخمسة.

وأكد داغي أن الحكم القطعي هو وجوب صيام شهر رمضان المبارك على جميع المكلَّفين إلا من استثناه القرآن الكريم، وهو المريض، والمسافر، ومن يلحق بهما.

وأوضح أن الصيام فرضه الله تعالى ورسوله بنصوص قطعية، أبرزها ما جاء في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

وأضاف أن من النصوص القطعية كذلك قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

وبيَّن داغي أن الآيات السابقة استثنت ثلاثة أصناف من الصيام: الأول الذين لا يقدرون على الصيام مطلقًا لا حالاً ولا مستقبلاً، وهذا ما عبَّر عنه قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).

وفسَّر المحققون ذلك، حسب داغي، بأنه "من زالت طاقته"، وقد وُجِّه هذا التفسير بأن الطاقة من الجَهد - بفتح الجيم - أي المشقة، ومنهم من يقول إن (يطيقونه) من باب الأفعال التي تكون الهمزة فيها للإزالة، فيكون المعنى (الذين زالت طاقتهم)".

ويكمل: "إلى هذا المعنى أو نحوه ذهب حبر الأمة ابن عباس، ففسّره بـ(يكلَّفونه) فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ (وعلى الذين يُطَوَّقونه، فلا يطيقونه، فدية إطعام مسكين) وقال ابن عباس: ليست منسوخة، وهو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا".

وفسرها ابن عباس - حسب حديث الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - بـ"يكلَّفونه" وأنها "ليست بمنسوخة"، بمعنى لا يرخَّص في هذا، الإفطار إلا للذي لا يطيق الصيام، أو مريض لا يشفى.

ويوضح القره داغي الصنف الثاني: هو المريض.. وقد ضبطه الفقهاء من خلال الأدلة المعتبرة، فقال النووي في المجموع (6/261) في تعريف المرض الذي يجوز معه الإفطار: "وهذا ما لحِقه مشقة ظاهرة بالصوم، أي مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يُجَز له الفطر بلا خلاف عندنا".

ويكمل داغي: "وقال ابن قدامة (المغني 4/403): أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة. ثم قال: والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم، ويُخشى تباطؤ بُرئه. وكذلك أجمعوا على قضاء ما فاته فقال (فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدَّة من أيام أُخَر).

والصنف الثالث: "المسافر الذي هو أيضًا محل إجماع، مع وجود خلاف في مدَّته وبعض تفاصيله "يراجَع حاشية ابن عابدين (1/528) وبداية المجتهد (1/346) والمجموع (6/261) والروض المربع (1/89)"، كما يؤكد القره داغي.

ويوضح أن فيروس كورونا مرض شديد، وفي حال إصابة شخص ما فإن المريض يتمتع بجميع الأحكام التي أقرتها الشريعة للمريض، وفي حال لم يُصَب الشخص فإنه إن لم يكن لديه مرض آخر، أو عذر آخر مبيح للفطر فإنه يجب عليه الصيام بالإجماع، حاله حال الأصحاء.

ويستدرك بالقول: "لا يجوز الفطر بسبب كورونا إلا عند الإصابة به، أما مجرد الخوف فلا أثر له في ترك الصيام إلا إذا دعم ذلك بتقرير طبي بأن الشخص المذكور معرَّض للمرض إذا صام فعلاً، وعندئذ جاز له الفطر مع القضاء.

صلاة التراويح

وعن صلاة التراويح، يؤكد داغي أن صلاة التراويح سُنة أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسجد ثم في بيته، لذا يمكن إقامتها بالبيوت؛ حفاظًا على الأرواح ومنعًا لانتشار الفيروس، حسب توجيهات الجهات الصحية المختصة.

ويلفت إلى أن العائلة تقيم داخل بيتها صلاة الجماعة والتراويح حسب العدد المسموح به، دون تجاوز التوجيهات الصحية ومع مراعاة الابتعاد عن البعض، فيتقدمهم أقرؤهم، ولا مانع من القراءة في المصحف.

وعن إمكانية تحويل المساجد إلى أماكن للعزل والمستشفيات، أكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه يجوز السماح بجعل المسجد وساحاته جزءًا لعلاج المرضى، إحياء لسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم، في وضع خيمة لعلاج المرضى والجرحى في المسجد النبوي، وإظهارًا لسماحة الإسلام وعنايته القصوى بحياة الإنسان.

وقال: "فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب داخل مسجده خيمة لعلاج سعد بن معاذ رضي الله عنه، وأن الصحابية رفيدة هي التي كانت تعالجه، بل هناك روايات صحيحة تقول إن رفيدة كانت لها فيه خيمة لعلاج الجرحى".

وبيَّن أنه ثبت جواز دخول المشركين وأهل الكتاب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناءً على ذلك فلا حرج من تحويل ساحات المساجد، بل أجزاء من حرمه، إلى مستشفى مؤقت إلى أن يزول هذا الوباء.

وأوضح أنه لا مانع من تشغيل المساجد والجوامع التي يقدَّر عدد المعطَّل منها بسبب هذا الوباء بمئات الآلاف، والاستفادة منها، وإعادة الحركة إليها، لا سيما أن الطواقم الطبية أو معظمهم سيُصلُّون فيها حسب الضوابط الصحية.

وذكر أن هذه الفتوى أو المبادرة تبقى في دائرة التأصيل والتنظير الشرعي، ولكن تنفيذها يتوقف على موافقة الجهات المسئولة عن الجوامع والمساجد، والجهات المسئولة في الصحة والمستشفيات.