في عام 1882 م – سنة احتلال مصر من قبل بريطانيا العظمى - وقف المستر وليم جلادستون رئيس الوزراء البريطاني على عهد الملكة فيكتوريا في مجلس العموم البريطاني يمسك بيده نسخة من المصحف الشريف ويخاطب أعضآء المجلس : " إنه ما دام هذا الكتاب باقياً في أيدي المسلمين ، فلن يستقر لنا قرار في تلك البلاد " !!
فقام أحد الحاضرين من مجلسه كالمجنون وراح يمزق صفحات القرآن ..


فقال له جلادستون : " ما أريد هذا يا أحمق ، إني أريد تمزيق آياته من قلوبهم وتصرفاتهم .. ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق " !  
لعل أول شخص مسلم هزه هذا التصريح وزلزل كيانه وأقض مضجعه ودفعه لاتخاذ موقف عملي إيجابي ، كان الداعية التركي الشهير سعيد النورسي الذي أعلن لمن حوله:
«لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها» .


شد سعيد الرحال إلى استانبول عام 1325هـ الموافق عام 1907م وقدم مشروعًا إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لإنشاء جامعة إسلامية في شرقي الأناضول أطلق عليها اسم "مدرسة الزهراء" - على غرار الجامع الأزهر - تنهض بمهمة نشر حقائق الإسلام وتدمج فيها الدراسة الدينية مع العلوم الكونية الحديثة وفقا لرؤيته :


«ضياء القلب هو العلوم الدينية ونور العقل هو العلوم الحديثة فبامتزاجهما تتجلى الحقيقة فتتربى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيل والشبهات في الثانية».


أظن أن تصريح وليم جلادستون  مازال فاعلا حتى يومنا ، وأن من يمزقون القرآن الكريم في القلوب والسلوك هم نفر من بني جلدتنا ، يعملون تحت لا فتات مختلفة ، ولكنهم يلتقون عند هدفهم الأوحد وهو تفريغ المسلمين من الإسلام ، عن طريق  تمزيق المصحف الشريف بطريقة جلادستون ، وتحويله إلى مجرد كتاب ورقي ، يوضع على سطوح المكاتب وأرفف المكتبات ومقدمات السيارات ، وفي غرف الضيافة والبيوت والمحلات للتبرك وردّ عين الحسود .


يوم خرج الغزاة الإنجليز من مصر ، قال الشهيد سيد قطب - رحمه الله – خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر ، والمعنى أن مخطط الإنجليز لتمزيق المصحف ، وإذلال المسلمين مازال قائما ومستمرا ، وهو ما نهض به العسكر على امتداد العالم الإسلامي طوال ستين عاما أو أكثر حتى هذه اللحظة .


النخب التي رعاها الإنجليز وحلت محلهم في السياسة والعسكرية والإعلام والصحافة والثقافة والتعليم والاقتصاد والاجتماع والفنون تعمل على قدم وساق لتمزيق المصحف في العقول والقلوب . الشيوعيون والطائفيون والليبراليون والناصريون وأشباههم من المرتزقة والباحثين عن الشهرة يقومون بهذه المهمة خير قيام ، وبعد أن كانوا يتحركون في إطار الهامشيات ،  تجرءوا وراحوا يقتربون من الثوابت وأسس الدين ، ويطالبون بثورة دينية أو تغيير ما يسمونه الخطاب الديني ، أي مضمون الدين ، أي محتوى الإسلام ، وكل منهم يقوم بدوره في دائرة معينة تتكامل مع ما يقوم به غيره ، وعن طريق الإرهاب الفكري والأمني يفرضون على ما يسمونه المؤسسات الدينية أن تكون في دائرة الدفاع المتهافت .


بالطبع لا يملك هؤلاء الخونة جرأة ليقولوا للكنيسة مثلا إن عليها أن تغير خطابها الديني الداعي إلى العنصرية والفوقية والانفصال لإقامة دولة طائفية في وادي النيل السعيد ، ولا يمكن أن يواجهوا دولة اليهود القتلة ، بأن تكوين دولة يهودية خالصة على أرض فلسطين المحتلة يستوجب تغيير الخطاب الديني اليهودي .


النخبة الخائنة التي تعمل على تمزيق المصحف الشريف في القلوب والسلوك تعمل بعد الانقلاب الثاني لنشر مجموعة من المقولات في مقدمتها أن المقدسات التي يؤمن بها المسلمون على مدي أربعة عشر قرنا تجعلهم في وضع من يصنع الإرهاب ويخيف العالم بالدم والترويع ، وأعلن قائد الانقلاب على الملأ وفي ذكرى المولد النبوي الشريف أن 1,6 مليار مسلم يخيفون بمقدساتهم 6 مليار إنسان في العالم !


مقدسات المسلمين هي المصحف الشريف الذي طالب جلادستون بتمزيقه على طريقته ، ومع المصحف الشريف الكعبة الزهراء والمسجد الأقصى . على الفور انطلقت عمائم الانقلاب لتعقد المؤتمرات واللجان لتغيير الخطاب الديني ، أي تغيير الإسلام ، وراحت الأبواق والأقلام التي تخدم البيادة في أجهزة الدعاية والحظيرة الثقافية تعمل بجد ، لتمزيق المصحف الشريف ، كما أراد جلادستون .


في معرض الكتاب الماضي، أو بالأحرى معرض داعش للكتاب ، تم استدعاء مجموعة من المثقفين الأوغاد –وهو وصف حقيقي وليس هجاء – ليعلّموا المسلمين في مصر كيف يغيرون الخطاب الديني . قامت الحظيرة الثقافية باستضافة هؤلاء الأوغاد من أماكن مختلفة خارج مصر ، فجاء منهم الطائفي الخائن ، والماركسي الزنديق ، والليبرالي الملحد ، ورافع راية الإسلام المنافق ، وصالوا وجالوا في هجاء الإسلام ، وضرورة فصل الدين عن الدولة ، وحتمية اعتناقنا العلمانية طريقا وحيدا من أجل تقدم بلادنا التعيسة . وزعم بعضهم ؛ أن نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلّم –  أول من دعا الى فصل الدين عن الدولة ، وأنه لابد من التمييز بين الاسلام كتراث هائل  عظيم(!)  وبين السلطات والمؤسسات الدينية التي ترفع لواءه. كما زعم الوغد أن ارتداء الحجاب في فرنسا يقوّض أسس الدولة الفرنسية  المدنية الديمقراطية التي حاربت فرنسا من أجل انتزاعها من الكنيسة. يتجاهل الوغد أن الإسلام وحي ، وأن المحيا والممات لله رب العالمين ، وأن فرنسا الصليبية العنصرية لا تستطيع أن تشير بكلمة إلى الطاقية التي يرتديها اليهود!


لقد ذهب بعض الأوغاد إلى حد القول إن تحرير العقل البشري يقتضي محاربة ما سماه الإمبريالية الإلهية !


وشبه بعضهم الإسلام بالنصرانية وكهنتها الذين حرقوا الساحرات وحاكموا العلماء وطاردوا الفنانين ، وطالب بالجرأة وعدم الخضوع لفتاوى رجال الدين كما يسميهم .


الغريب العجيب أن هؤلاء الأوغاد لا يعرفون فرائض الوضوء ، وجاهر بعضهم  صراحة أنه لم يصلّ منذ خمسين عاما ، وبعضهم لايعرف طريقه إلى المسجد لأن الطريق الذي يعرفه هو طريق الخمارة ، ومقهى تدخين الحشيش ، والسهرات الليلية الحمراء ، ثم يجدون في أنفسهم الجرأة ليطالبوا الأزهر وغيره بثورة دينية وتجديد الخطاب الديني مع الادعاء أنهم أبناء الإمام محمد عبده ! يبدو أن الأمة سترى كثيرا في ظل الانقلاب العسكري الدموي الفاشي ، ولكن الله غالب على أمره .


الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !