فقدت الأمة الإسلامية يوم الأحد 3 شعبان 1435هـ= 1 / يونيو / 2014م علمًا من أعلامها، ورائدا من روادها، وكوكبا في سماء علمها، وإماما من أئمة التأليف والإنتاج النافع فيها .. إنه الشيخ العلامة الدكتور منير محمد الغضبان، العالم الرباني والداعية المجاهد والقائد الحكيم، الذي وافته المنية بمكة المكرمة، بعد معاناة مع مرض ظل معه عدة سنوات، وصُلِّيَ عليه بالمسجد الحرام، عن عمر ناهز الاثنين وسبعين عامًا.

 

مولده وتعليمه

ولد الراحل الكريم في (التل- دمشق- سوريا) عام 1942م، وتعلم حتى حصل على إجازة في الشريعة – جامعة دمشق – 1967م، ودبلوم عام في التربية – جامعة دمشق – 1968م، وماجستير في اللغة العربية من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة – 1972م، ودكتوراه في اللغة العربية من جامعة القرآن الكريم بالسودان – 1997م، وحاز على جائزة سلطان بروناي للسيرة النبوية – 2000م.

 

عمله الوظيفي والدعوي

عمل في التدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية بدمشق – 1972م، وموجها تربويا بإدارة تعليم البنات في الطائف بالمملكة السعودية 1393 – 1395هـ، وداعية في الخارج برئاسة الإفتاء بالمملكة العربية السعودية (خارج المملكة) 1400 – 1407هـ، وباحثا تربويا بجامعة أم القرى بمركز الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة 1407 – 1420هـ، وباحثا ثقافيا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي 1421هـ، كما كان مراقبا عاما للإخوان المسلمين في سوريا.

 

إنتاجه الفكري

ترك العلامة منير الغضبان للأمة المسلمة وللصحوة الإسلامية وللعاملين للإسلام زادا كان وما زال وسيظل نافعا للأمة بعلمائها وفقهائها، بدعاتها ومجاهديها، بمفكريها وكتابها ومؤلفيها .. لما له من حيوية وجدة وطرافة تتصل بالتراث، وتستوعب في حركتها الواقع والمستقبل.

 

ومن أبرز ما تركه جهوده في السيرة النبوية، التي تعد من أبرز ما كُتب في عصرنا في مجال السيرة، بل لا أكون مبالغا إن قلت: إن ما تركه منير الغضبان من إنتاج في السيرة النبوية لم يقم به أحد على مر التاريخ في خدمة السيرة ومنهجها واستلهامها للواقع المعاصر.

 

كَتب في السيرة: المنهج الحركي للسيرة النبوية، المنهج التربوي للسيرة النبوية (أحد عشر مجلدا) قسمه إلى التربية الجهادية ثلاثة مجلدات، والتربية القيادية أربعة مجلدات، والتربية الجماعية مجلدان، والتربية السياسية مجلدان .. كما كتب المنهج الإعلامي للسيرة النبوية (الشعر في عهد النبوة). في مجلدين، وفقه السيرة النبوية (وهو مقرر مادة السيرة النبوية في جامعة أم القرى والعديد من الجامعات العربية والإسلامية)، وهذب وقرب التراتيب الإدارية في نظام الحكومة النبوية للكتاني،  وفقه التمكين في السيرة النبوية، وأخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، وكتاب الأربعين في سيرة سيد المرسلين، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) (بالاشتراك مع آخرين).

 

وله تحت الطبع في مجال السيرة: مدخل إلى السيرة المنهجية، والمنهج السياسي في السيرة النبوية، والسيرة النبوية عند السحار (عرض ورأي).

 

وكتب في التاريخ: معاوية بن أبي سفيان، وأبو ذر الغفاري، والمسيرة الإسلامية للتاريخ، وعمرو بن العاص ( الأمير المجاهد)، وهند بنت عتبة، والمسيرة الإسلامية لجيل الخلافة الراشدة، وعهد الصديق-(تحرير العراق والشام والجزيرة )، وجولات نقدية في كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة.

 

وكتب في الفكر الإسلامي: الحركات القومية في ميزان الإسلام، سورية في قرن، سيد قطب ضد العنف، التحالف السياسي في الإسلام، نحن والغرب على ضوء السنن الربانية (العراق وأمريكا نموذجا).

 

وكتب في التربية الإسلامية: من معين التربية الإسلامية، طرق تدريس المواد الدينية (للصف الثاني بدار المعلمات) (بالاشتراك مع آخرين)، طرق تدريس المواد الدينية واللغة العربية (للصف الثالث بدار المعلمات) (بالاشتراك مع آخرين)، والأخوات المؤمنات .(وقد قررته الرئاسة العامة لتعليم البنات بالسعودية كتابا مساعدا لمدة سبع سنوات لطالبات المرحلة الثانوية)، إليك أيها الفتى المسلم، إليك أيتها الفتاة المسلمة، التربية السياسية للطفل المسلم، أفكاري التي أحيا من أجلها.

 

وله من الكتب تحت الطبع: الحقوق المائة للمرأة المسلمة، الحوار: فكرا وثقافة، المغيرة بن شعبة (الوالي المجاهد)، المسيرة الإسلامية لجيل الخلافة الراشدة (أربعة مجلدات)، قضايا إسلامية معاصرة (أربعة مجلدات)، شباب في العهد النبوي، شباب في العهد الراشدي، التل في ذاكرتي وفي قلبي ( الوجه الإسلامي)، الاتجاه الإسلامي عند الرصافي، المسلسلات التاريخية السورية (نماذج) دراسة.

 

يضاف لهذا مقالات متعددة في الصحف والمجلات والشبكة العنكبويتة.

(هامش: هل لاحظتم عدد الكتب التي كانت مقررات دراسية في المملكة السعودية؟! لكن الشيخ الآن في رأيهم ضمن الإرهابيين الخَطِرين على أمن البلاد والعباد، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!).

 

********

إن المتأمل في عناوين المنجز الفكري للعلامة الغضبان لا تخطئه الملاحظة بأن هذا الرجل كان مهمومًا بواقع أمته، كان يعيش لها ويفكر من أجلها، ويجاهد في سبيل قضاياها، ويسهر على راحتها وحل مشكلاتها ... فها هو يكتب في السيرة والتاريخ والفكر والتربية، يكتب للأمة والأفراد، يؤلف للرجال والنساء، ينتج للشباب والفتيات، يصنف عن الماضي والحاضر والمستقبل.

 

لقد ألف داعيتنا الكبير في السيرة والتاريخ والفكر والتربية ما قارب الستين مؤلفا، أبرزها جهوده في السيرة النبوية واستخلاصه المناهج الحركية والتربوية والجهادية والإعلامية والإدارية ، وكيفية الإفادة منها في الواقع المعاصر، ولا يزال ما قدمه في السيرة النبوية وسيظل زادا يتزود به العاملون للإسلام ودعاته وعلماؤه.

 

حسب الراحل الكريم أنه حوَّل الكتابة في السيرة النبوية في مجملها من البحث في الآثار والأخبار وفحص أسانيدها من حيث القبول والرد .. إلى واحة للعاملين للإسلام، وصنع منها ملحمةً تُستلهم للواقع والمستقبل، وتُستدعى في واقع الأمة للتربية الجهادية والحركية والإعلامية والقيادية، وغيرها.

 

إننا نستطيع أن نقول بكل اطمئنان: إن السيرة النبوية حينما نؤرخ لها ولتطور الكتابة فيها لا يمكننا أن نتجاوز جهود منير الغضبان، وما مثلت من محطة فارقة في تطوير الكتابة في السيرة النبوية، فيمكننا القول: الكتابة في السيرة ما قبل الغضبان، وما بعد الغضبان ... إذا أضيف لذلك الجهود الأخرى في المجال نفسه لعلماء مدرسة الإخوان المسلمين، من أمثال: السباعي والغزالي وسيد قطب والصلابي وغيرهم .. تبين لنا ما لهذه المدرسة من دور واضح في تطوير الكتابة في السيرة والتاريخ، وهكذا الأمر في علوم كثيرة.

 

إنني أدعو طلبة الدراسات العليا أن يتناولوا في رسائلهم العلمية جهود هذا الشيخ الجليل والعالم الرباني في السيرة النبوية والتاريخ والفكر والتربية، ويسلطوا الأضواء على دوره الرائد في تطوير الكتابة وتجديدها في مجال التربية والفكر عامة، وفي مجال السيرة خاصة .. فإن من الوفاء للعالم أن نبرز دوره ونعرِّف الناس بعلمه ومكانته.

 

لقد حمل العلامة منير محمد الغضبان من اسمه أكبر الحظ وأوفر النصيب، فلقد كان بمثابة السراج المنير الذي جعل من السيرة النبوية منارة لطريق السالكين، ووميضا يبرق للعاملين، ولقد كان يتمتع بصفات محمودة يغبطه عليها الكثيرون، كما كان يغضب لله إذا انتهكت حرماته، وكان همه الأكبر في أواخر سني عمره قضيته السورية التي ظل يدافع عنها وعن حق الشعب السوري في حياة كريمة عادلة.

 

نبكيه وننعيه للأمة علما مجاهدا، وعالما ربانيا، وداعية صادقا.. وعزاؤنا أنه ترك لنا ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وبرحيله يلقي التبعة على من بعده، والمسئولية على الأحياء من العلماء وطلبة العلم؛ حيث يقبض الله تعالى رواحلنا من العلماء والدعاة الذين لا بديل لهم ولا عوض عنهم ..

 

اللهم لا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، واغفر لنا وله، وانفع الأمة بعلمه، وعوضنا عنه خيرا ... آمين.